إذا كان لمن صنعوا الثورة النوفمبرية المجيدة بالمدن الكبرى إلى جانب كبار القادة العسكريين والسياسيين لجيش وجبهة التحرير الوطني، خاصة فئة النساء سواء المجاهدات والشهيدات قد حالفهم الحظ في التعريف بأنفسهن ومن ثم الاعتراف بحقوقهن دون صعوبات وعراقيل، فإن الكثير من مثيلاتهن قدمن النفس والنفيس في سبيل استقلال الجزائر، بعيدا عن الأضواء بالعديد من قرى ومداشرالجزائر الشاسعة، لكنهن ظللن مجهولات وحرمن من تسجيل بصماتهن في ذاكرة الجزائر بعد الاستقلال، بل وحتى الكثيرات منهن واجهن صعوبات في الاعتراف بهن كمجاهدات. بلقمبور... من المخابرات ونقل الأسلحة إلى عيادات جيش التحرير خديجة بلقمبور المدعوة فريدة من مواليد 1944 بالعنصر ولاية جيجل، ملامح رجل كومندوس مازالت بادية على مورفولجياتها رغم تقدمها في السن، عادت بنا في برهة زمنية قصيرة عبر ما تحفظه ذاكرتها من ملاحم الثورة بمنطقة ميلية وجيجل بالولاية التاريخية الثانية، حيث التحقت بصفوف الثورة بنفس المنطقة سنة 1959 وعمرها لا يتجاوز 15 سنة، في أصعب تخصص حربي لا يحتاج إلى السلاح بقدر ما يحتاج إلى الشجاعة والذكاء ألا وهو الاستخبارات ونقل الأسلحة، حيث كانت بمثابة وسيطة جيش التحرير في مدينة ميلية وجبالها عن طريق تبادل الرسائل بين الثوار المعلومات عن تحركات الجيش الفرنسي، وهي المهمة التي تقول عنها.. "كلفني بها القائد بوشملة لأنني كنت قاصرة وتحركاتي لا تثير انتباه سلطات العدو، غير أنه اكتشف أمري في إحدى المهمات من هذا النوع، وأصدرت سلطات الاحتلال أمرا بتوقيفي في ظرف 15 دقيقة، وهي الحادثة التي عجلت بصعودي جبال الولاية الثانية، حيث كُلفت إلى جانب الكثيرات من الرفيقات بالتمريض في مناطق حرمها الاستعمار الفرنسي بميلية وجيجل منها بني فتاح وغار الديب..الخ وهي المناطق التي أسندت فيها مهمة التمريض إلى المجاهد العربي بريجة، وكنت برفقة الطاهر بودربالة والعربي بلرجم، عرف حسب شهاداتها ل "الفجر " عيد النصر أي 19 مارس 1962 بمنطقة تمزفيدة، حيث أدركت وغيرها من رفقاء السلاح توقيف القتال بعد توقف تحليق الجيش الفرنسي فوق غابات المنطقة. رافقت 550 مجاهدة، وكنا ضحية صراعات بين ثوار الداخل والخارج تأسفت المجاهدة فريدة، وهي تتحدث عن الأوضاع التي آل إليه الصناع الحقيقيون للثورة الجزائرية المجيدة، خاصة النساء منهم.. فلا اعتراف ولا ضمان لحقوقهن بعد الاستقلال، وما يزيد في تعميق جراح الكثير من مثيلاتها أن السلطات لا تعترف بدور المرأة في تحرير الجزائر باسثتناء 05 المحكوم عليهن بالاعدام، وهو ما يتكرر عشية كل مناسبات احتفالات بالمرأة أو بذكرى اندلاع الثورة والاستقلال، رغم أن شهادة السيدة بلقمبور تفيد أنها شاركت في الثورة رفقة أكثر من 550 امرأة، بولايتي ميلة وجيجل.. منهن من استشهدن ومنهن من فارقن الحياة بعد الاستقلال والكثيرات منهن همشن بعد 1962، والأكثر من ذلك حسب نفس الشهادة عانت النسوة الأرامل الأيتام منهن المقيمات بمركز بن حميدان ،الذي خصص لإقامة من لا مأوى لهم بعد الاستقلال، في صراع بين ثوار الداخل ونظرائهم من الحدود الشرقية التونسية، حيث تعرضن الكثير منهن حسب بلقمبور إلى محاولة اغتصاب من طرف مجاهدي الحدود التونسية، وأولئك الذين التحقوا بصفوف الثورة سنة 1962 ، وهي تصرفات قالت عنها فريدة إننا لم نألفها مع المجاهدين بالجبال طيلة عمر الثورة، والتي كنا فيها نحن النساء والرجال أسرة واحدة، بل أكثر من ذلك حسب اعترافاتها. ومن الشهادات التي تحفظها حول هذا الصراع هو تبادل إطلاق النار بين مجموعة من مجاهدي الداخل وأخرى دخلت الجزائر بعد 1962 من الحدود الشرقية. حرمت من الأولاد من أجل الجزائر ولم يُعترف بي كمجاهدة إلا في 1978 تقول فريدة بلقمبور، بنبرة حزينة، إنها لم تبخل من أجل استقلال الجزائر استعداداها للموت في أي لحظة من لحظات الثورة، كما دفعت الضريبة غالية من أجل الوطن، وكلفها ذلك في إحدى المعارك التي خاضتها أن تمزق أحشاءها الداخلية بما فيها الرحم، وهو ما جعلها تحرم من الأبناء طيلة حياتها، لكن جرت الرياح بعد الاستقلال بما لا تشتهيه المجاهدة بلقمبور، من مضايقات وصعوبات واجهتها بعد جوان 1962 ، وهو التاريخ التي تقول عنه إن السلطات أصدرت أوامر بتوقيف زوجها بوطمين وعدد آخر من الثوار من طرف ضباط الحدود الشرقية، وهو ما عجل فراره الى خارج التراب الوطني رفقة كل من مقيدش عبد الكريم و فنطازي، ومنذ ذلك التاريخ دخلت في طي النسيان وواجهت العديد من العراقيل، حيث تقول لم يعترف بي كمجاهدة، ولم يعوض منزلي الذي تعرض لدمار القصف الاستعماري ، ولم أنل حقوقي كغيري ممن شارك في الثورة إلا سنة 1978 بفضل السيد بن طوبال، كما عرفت بوجود منظمة وطنية للمجاهدين سنوات التسعينيات . فهل يبادر رئيس الجزائر الذي تفرزه انتخابات 09 أفريل المقبل إلى إعادة الاعتبار لفريدة ومثيلاتها.. الكثيرون والكثيرات الذين يموتون في صمت؟