على اعتبار أن انضمام الجماعة السلفية إلى القاعدة لم يكن ليأتي إلا استنجادا بالزرقاوي وبن لادن لإجبار المعارضة التشادية من خلال اختطاف القاعدة غرب العراق لرعايا فرنسسين ومساومتهم بالبارا، سيما أن المعارضة التشادية حليف لفرنسا. لكن وبعدما أصبح ذلك بدون تحقيق الهدف آثر تسليم المعارضة التشادية "البارا" للجزائر، واعتبر بلمختار الانضمام للقاعدة عديم الجدوى. وهذا ما أسرّ به بلمختار لرفقائه الذين استفادوا مؤخرا من تدابير المصالحة، ورووه لنا في مسعد على مشارف جبال بوكحيل بالجلفة . ولم يجد دروكدال من حل لمعارضه غير المعلن بلمختار، الذي، فضلا عن ذلك، تراجع إلى حد ما عمله المسلح واستقر شمال مالي، سوى تعويضه بآخر في إمارة المنطقة التاسعة بإعلان تنصيب أبو عمار التيارتي خلفا له. وبمجرد إعلان تنصيب أبو عمار التيارتي على رأس المنطقة، شرع هذا الأخير في أول عملية إجرامية لإثبات الوجود تمثلت بعد غياب عمليات استعراضية بالمنطقة التاسعة، حيث نفّذ عملية اغتيال 7 من حرس الحدود في ولاية الوادي، وقام بعدها باحتجاز السياح النمساويين، لكن وجود الأمير الجديد بالمنطقة التاسعة بعمق الصحراء وبأقصاها لا يمكن أن يكون على النحو الذي كان عليه بلمختار (مثلما يرويه محدثونا، وهم تائبون طلبوا منا عدم نشر أسمائهم أو صورهم لاعتبارات أمنية) . وأرجع محدثونا ذلك إلى أن بلمختار الوحيد في المنطقة الذي يعرف مصادر التسلح ومسالك الصحراء بعمقها، ويحظى بدعم قبائل أقصى الجنوب، وحتى الموالين والمهربين. وأصبح بالنسبة للأمير الجديد رضا بلمختار (الأمير المخلوع) أمرا لا مفر منه.. أمر استثمر فيه بلمختار وجعل من الأمير الجديد ذراعه الأيمن، وأثبت بهذا الشكل بلمختار لدروكدال أنه لا يمكن تواجد الجماعة السلفية في الصحراء بدونه، وبدون كتيبة "الملثمين". ولعل من دلائل ذلك ما تسرب من معلومات أن آخر عملية لاختطاف للسياح الأجانب تمت دون علم دروكدال، أو استشارته، وورد أنها كانت بتدبير وإشراف من بلمختار، وأبو عمار المقيم حاليا عند بلمختار في شمال مالي. بلمختار كلّف مصعب بإقناع كتيبة بوكحيل بالانشقاق عن الجماعة السلفية والولاء له أوفد بلمختار إلى كتيبة بوكحيل المكنى "مصعب" أشهرا قليلة قبل استفادته من تدابير المصالحة، انطلاقا من شمال مالي إلى بوكجيل في الجلفة، لإقناع عناصر الكتيبة هناك بتقديم الولاء له، مثلما كان في السابق والانشقاق عن تنظيم دروكدال وحثه بلمختار على أن يقنع ما تبقى من نشطاء الكتيبة الانفصال عن تنظيم ما يسمى "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" أو "تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي". وخلال تلك الفترة راج أن بلمختار يستعد لتسليم نفسه، لكنه في الحقيقة كان يسعى فقط لافتكاك ما سلبه منه دروكدال. لكن "مصعب"، واسمه الحقيقي بن مسعود عبد القادر، تفاجأ بعد وصوله إلى مسعد في الجلفة بمطالبة دروكدال له بعد عودته بنصب كمين لبلمختار وإيهام بلمختار بأنه سيولّى مجددا إمارة المنطقة، ووعد دروكدال "مصعب" نظير ذلك بتوليته امارة المنطقة التاسعة. ووجد "مصعب" نفسه بين نار رفض أوامر الإرهابي دروكدال الأمير الوطني للجماعة السلفية وبين الغدر برفيقه بلمختار، الذي آواه، وكان سائقه الشخصي. وفضلا عن ذلك فإن مصعب حسب ما رواه لمصالح الأمن وحسب ما يكشف عنه تائبون ممن كانوا رفاقا له، أنه تشبّع بفكرة "عدم شرعية الجهاد في الجزائر" من خلال معاشرته لبلمختار الذي كان يعارض التفجيرات الانتحارية، ولم يجد من سبيل أمام قناعته الجديدة ومطلب دروكدال سوى تسليم نفسه لمصالح الأمن تائبا في إطار المصالحة الوطنية. ونزل بعد المكنى "مصعب" سنة 2007 من الجبل مسلحان اثنان، أحدهما زايح علي "عكرمة" والآخر لدواعي أمنية رفض تقديم معلومات عنه ولما يتعلق بباقي النازلين من الجبل، ويسعى مصعب في الوقت الحالي إلى إقناع أخيه "أنس" بمغادرة شمال مالي.