تثار هذه الأيام من جديد مسألة شل العدالة بعد تطبيق قانون الإجراءات الجديد الذي يمنع على المتقاضين استعمال الوثائق بدون اللغة الرسمية وهي اللغة العربية• ومن جديد طرحت مسألة التعريب ومسألة عدم قدرة الدولة الجزائرية على المضي في تعريب البلاد بحجة عدم توفر الإمكانيات••! ويدعو البعض إلى تجميد تطبيق هذا القانون في الوقت الحاضر لأن البلاد لا تتوفر على الإمكانيات التي تسمح لها بتطبيق هذا القانون•• تماما مثلما جمد قبل سنوات قانون استعمال اللغة العربية بحجة أن البلاد ليست مستعدة بما فيه الكفاية لتطبيق التعريب الكامل••! نحن على مشارف نصف قرن من الإستقلال، ومع ذلك لم تتوفر الشروط المطلوبة للعودة إلى استعمال اللغة العربية في التعاملات الرسمية كما كانت قبل 200 سنة••! هل الأمر له علاقة فعلا بصعوبات أم له علاقة بوجود عدم النية في الذهاب إلى تعريب البلاد•• أو العودة به إلى وضعه الطبيعي؟! منذ 50 سنة كانت الحجة أن البلاد لا تتوفر على الإمكانيات التي تسمح بالتعريب•• وتزامنت هذه الحجة بحجة أخرى تقول: إن العربية لغة ميتة ولا يمكن الإعتماد عليها في التنمية والتطور••! واليوم العربية لغة رسمية في الأممالمتحدة، وتحتل %5 من مجموع التعاملات الموجودة في الأنترنت على المستوى العالمي، وهي تسبح في الفضاء مع الأقمار الصناعية•• وهي اللغة الرابعة في العالم الأكثر انتشارا•• لارتباطها بثاني ديانة في العالم•• وقد ارتبط اسمها مع الإنجليز بالبترودولار أهم قوة اقتصادية محركة للعالم الإقتصادي في الكون• إذن لم يعد الحديث في الجزائر يجرى حول عجز اللغة كما كان الحال قبل 50 سنة•• بل أصبح الحديث يتجه إلى قلة الإمكانيات التي تسخرها الدولة لوضع القانون موضع التنفيذ••! الدولة بالفعل تقدم التعريب وتطبيق قانون استعمال اللغة العربية في الحياة العامة كما لو أنه عقوبة للمواطن•• وهو بالفعل كذلك، والدولة هي المسؤولة وليس المواطن •••! هل يعقل أن تصدر مصالح الدولة الوثائق الإدارية بغير اللغة الرسمية ثم تطلب من المواطن أن يقوم بترجمتها إذا أراد تقديمها إلى العدالة؟! ومعنى هذا الكلام أن الدولة هي التي تخلق المشاكل للمواطن الذي لا يستحي ويطالب بالتعريب•• فتقوم الدولة بالتعريب الذي يعاقب المواطن، وليس التعريب الذي يسهل له المهمة••! ماذا لو أن الدولة أصدرت قانونا أوتعليمات تجرّم فيها المؤسسات والهيئات الرسمية وغير الرسمية التي تتعامل مع المواطن وتصدر وثائق بغير اللغة الرسمية؟! هل في هذه الحالة يحتاج المواطن إلى مترجم ليترجم الوثائق التي يقدمها إلى العدالة ؟! المصيبة أن الدولة دائما تقوم بمعاقبة المواطن عند القيام بأي إجراء يكون تنفيذا لمطالب أساسية من الشعب• فالمواطن الذي يطالب بالتعريب لتسهيل مهمته يجد نفسه أمام عقوبة تفرضها عليه الدولة بأن يقوم بتعريب الوثائق التي تسلمها له الدولة على حسابه الخاص ؟! لماذا لا تقوم الدولة بإجبار الناس الذين يصدرون هذه الوثائق على إصدارها بالعربية أصلا، وليس بالفرنسية أوأية لغة أخرى ويقوم المواطن بتعريبها على حسابه ؟! ما حدث للمواطن في القضية هذه لا يختلف عما حدث له في قضية مراقبة السيارات تقنيا••! فالمواطن طالب الدولة بتطبيق إجراءات المراقبة التقنية للسيارات للحد من ظاهرة المجازر التي تحدثها حوادث المرور في الطرقات••! فقامت الدولة بمعاقبة المواطن بغرض المراقبة التقنية على السيارات الجديدة التي يستوردها التجار على حساب المواطن وليس على حساب البائع••! وعوض أن تقوم الدولة بواجبها في مراقبة استيراد السيارات وفق المواصفات التقنية العالمية راحت تسمح باستيراد السيارات دون رقابة تقنية وتعاقب المواطن بمراقبتها بعد شرائها من الموردين•• تماما مثلما يفعل الآن بقضية اللغة العربية واستعمالها في العدالة••! فهي تسمح للإدارات والمؤسسات والمصالح الرسمية وغير الرسمية والأفراد بإصدار الوثائق باللغة الفرنسية ثم تطالب المواطن بتقديمها للقضاء باللغة العربية••! وبدل أن تعرب الدولة نفسها راحت تبحث عن مواطن يتحمل أعباء تعريب الدولة••! وتحولت المسألة من قضية دولة إلى قضية مواطن عليه أن يبحث عن المترجمين لتعريب الدولة؟! والهدف هو القول: بأنه مادام المواطن غير قادر على ترجمة الوثائق للعدالة فلا بأس أن تبقى الأمور كما هي ؟! ولو كانت البلاد تتوفر على حكومة مثل بقية البلدان وتتوفر على برلمان يمثل الشعب لما وقعت هذه المهازل في تسيير الشأن العام•• في واحد من أوجه السيادة التي تحدثت عنها المادة الثالثة من الدستور؟! ولكن من يحاسب من ؟!