وفي المرتين كان اختياري متصلا بعلاقتي بالكتابة حيث اخترت في الأولى الأدب العربي، أما في المرة الثانية فقد كان اختياري لدراسة الصحافة، بل أكثر من ذلك وجدتني أختار الصحافة المكتوبة على غيرها من فروع علوم الإعلام والاتصال• لا أستطيع اليوم أن أدعي أنني اخترت دراسة الصحافة كي أكون صحافيا ، فقد يكون الوقت في مثل سني فاتني، وقد كان بإمكاني أن أكون كذلك دون أن أدرسها، فقد صارت الصحافة عندنا مهنة من لا مهنة له، كما قالت الصحافية خديجة بن فنة• ولا أستطيع غير أن أقول إن ما حدث معي كان إرضاء لغرور قديم كامن في نفسي• في أحيان كثيرة يحزنني اعتقاد الطلبة الشباب بأن الصحافة هي مهنة الأضواء والشهرة، وهي أقصر الطرق إلى المجد والمال، وهي غير ذلك تماما، ذلك أنهم لا يدركون تمام الإدراك حجم رداءة واقعنا، وما ينتظرهم من بطالة لأن الدخول إلى الصحافة لم يعد يتطلب كفاءات ومؤهلات علمية بقدر ما يحتاج إلى وساطات وأكتاف عريضة• وعلى الرغم من براغماتية الكثير من هؤلاء الطلبة واختيارهم لما له علاقة بسوق العمل• غير أن الأكيد هو أن الصحافة المكتوبة التي هي أصل الصحافة وقاعدتها صارت الأقل شأنا بين اختصاصات الإعلام• لأن حملة وفرسان الأقلام صاروا أقل شأنا بكثير من فرسان الأقدام والأنغام والأجسام وبائعي الأوهام• لقد علمتني دراسة الإعلام طريقة أخرى في التعاطي مع وسائله من صحف وقنوات وصرت أكثر وعيا لمتطلبات المهنة وأسرار ممارستها، وأكثر انتباها لما بين السطور• وصارت تشدني الظواهر الإعلامية أكثر من غيرها شكلا ومضمونا، تحريرا وإخراجا• بطريقة هزلية يمكننا تفكيك كلمة الصحافة إلى الصح، والآفة• أي أن الحق مر بعبارة أخرى، وهي في الحقيقة كذلك• فلم يعد هناك ما هو أصعب من البحث عن الحقيقة والجهر بها ونشرها على رؤوس القراء دون خوف من سطوة حاكم أو جبروت مسؤول• ولأن حامل الحقيقة في بلادنا العربية إذا قالها مات، وإذا لم يقلها مات أيضا• أستطيع أن أكون متفائلا في مناسبة اليوم العالمي لحرية التعبير فأقول إننا وصلنا إلى مراحل مقدمة من حرية الصحافة، وقطعنا شوطا كبيرا في تجسيد حرية التعبير، لكن من يستطيع أن يقنع الصحافي بأن يتخلى عن الرقيب والحسيب الساكن في أعماقه، والمتغلغل في لا شعوره إذا لم يكن هناك رقيب سلطوي مسلط عليه • وأستطيع أن أعود إلى تشاؤمي الجزائري فأقول إن صحافتنا تعمل خارج معايير العمل الإعلامي، حتى أنك لتجد صحفا معيارية تجد فيها كل شيء من تقليعات المشاهير والموضة إلى رأي الدين إلى دروس الطبخ والسياقة والباكالوريا• وفي الجزائر وحدها ربما تبيع الصحف نفسها وأقلامها وقراءها إلى جهة أو عشيرة أو حزب•• لدرجة يتحول معها القراء إلى قبائل وطوائف، على قاعدة قل لي أي جريدة تقرأ أقول لك من أنت• وإلى أي جهة تميل، ومن ثم أحييك بصباح الخير أوالسلام عليكم•• وفي الجزائر وحدها، لا سيما في المناطق البعيدة، يفرض التوزيع على القارئ صحفا بعينها ويحرمه من حقه في الاختيار والتنوع، فإما أن تكون مع الأهلي أوالزمالك وفقط، وفي الجزائر فقط••• وأدركني الصباح فسكت عن الكلام واللا مباح•• كل عام وصحافتنا يخير•