لاشك أن الرأي العام قد ذهل للخبر الذي أعلنته الويزة حنون والقائل بأن رئيس البرلمان، زياري، أمر مصالح المالية بالمجلس بتحويل مكافآت نواب حزب العمال إلى حساباتهم الخاصة وليس إلى حساب حزب العمال، كما كان الأمر قبل نشوب الخلاف بين حنون وزياري حول مسألة حل البرلمان! المؤسف والمثير للدهشة لدى الرأي العام، ليس تصفية حسابات بين حنون وزياري بهذه الطريقة المضحكة! بل المؤسف فعلا هو أن البرلمان كان بالفعل يحوّل أجور النواب أو جزءا من أجور النواب إلى حساب أحزاب! وينبغي أن يسأل زياري•• لا عن تصحيح هذا الخطأ الدستوري، بل يسأل عن ارتكابه أصلا! لأنه من الأخطاء الجسيمة في تسيير المؤسسات السيادية! فلا يمكن أن نتصور برلمانا محترما تحوله الأحزاب إلى محصل اشتراكات للأحزاب؟! فالدستور لا يجيز ''كراء'' الأحزاب السياسية للنواب في البرلمان تحت أي ظرف أو قانون أو أخلاق، فالنيابة تكون عن الشعب وليس الأحزاب! وإذا كان يجوز للأحزاب أن تأخذ جزءا من أجور النواب•• فلا يمكن أن يتم ذلك بالاقتطاع المباشر من المصدر! لأن ذلك يعد مخالفة صريحة للدستور والقانون•• فالنيابة وطنية وليست جهوية أو محلية، فما بالك أن تكون حزبية؟! ومن حق النائب أن يعطي جزءا من دخله لحزبه•• لكن لا يمكن أن يكلف المجلس بفعل ذلك! فالقانون واضح في هذه المسألة! والقول بأن النائب مطالب بإعطاء جزء من دخله لحزبه ويقتطع ذلك من المصدر•• يمكن أن يؤدي بنا إلى مطالبة الوزير أيضا بأن يدفع جزءا من راتبه للحزب الذي رشحه للوزارة! وبذلك تقوم الحكومة بدفع رواتب الوزراء في حساب الأحزاب! ولكم أن تتصوروا الوضع المضحك في هذه المسألة التي يصبح فيها الوزير مجرد عامل ''كراه'' الحزب للحكومة؟! وما يحدث لنائب ووزير بهذه المواصفات يمكن أن يحدث لرئيس جمهورية يرشحه حزب ما ويحوله إلى ''قن سياسي'' يكتريه للدولة بمنصب رئيس جمهورية! ثم كيف يكون نائبا ووزيرا وحتى رئيس جمهورية حرا في أداء مهامه•• والحزب الذي رشحه يمارس عليه الوصاية في تسيير حتى راتبه الشهري من المنبع؟! وفق نظرية حنون وزياري في تسيير المؤسسات السيادية للدولة؟! من هذه الزاوية، فإن البرلمان الذي فيه مثل هذه النماذج النيابية الحل بالنسبة إليه يكون إجراء سليما وصحيحا! خاصة إذا عرفنا أن ما يحدث مع نواب حزب العمال•• يمكن أن يكون قد حدث مع نواب من أحزاب أخرى•• ولم يصحح كما صحح أمر نواب حزب العمال! بسبب الانتقام، كما تقول حنون! وفي هذه الحالة، ألا يمكن أن نعتبر الزيادات الأخيرة في أجور النواب ليست رشوة فقط، بل تحول للمال العام بطرق مشبوهة قانونيا ودستوريا•• خاصة عندما تقول حنون إن ما قام به زياري هو انتقام من حزبها! ولا أعتقد أن برلمانيا واحدا في العالم يقرأ هذا الذي تنشره حنون وزياري ولا يضحك حتى يغمى عليه من الوضع الذي آلت إليه المؤسسات الدستورية الجزائرية!