مسألة انتشار الفساد والمفسدين في الجزائر حوّل الجزائر إلى جنة مالية لتبييض الأموال والتدريب على ابتكارات التحايل على القانون وممارسة الفساد بلا خوف••! الضرائب عندنا أصبحت عاجزة عن مسايرة تطور الفساد ونموه بصورة خرجت عن نطاق السيطرة••! لأن أساليب التحايل على الضرائب تطورت وبقيت مصالح الضرائب تراوح مكانها ••! في الثمانينيات كانت مظاهر الفساد بدائية مثل ممارسة الرشوة بطريقة بدائية، وممارسة النشاط الضريبي بطريقة أكثر تخلفا! وأتذكر أنني في سنة 1984 كتبت مقالا في جريدة الشعب عن الفساد في قطاع الضرائب•• وقلت كيف يعقل أن يدفع الموظف البسيط من الضرائب سنويا أربعة أضعاف صاحب مصنع أو ورشة أوحتى التاجر الذي يشتغل في الإستيراد والتصدير•• فالضرائب كانت ''تحفر'' الموظفين فقط فتقتطع الضرائب منهم عند المنبع ••! وكان المقال تحت عنوان ''ادهن السير يسير''• وفوجئت بعد صدور المقال باتصال من وزير المالية آنذاك، السيد عبد العزيز خلاف، ليقول لي إن مجموعة من مفتشي الضرائب احتجت لديه على محتوى المقال•• وهددت بالإستقالة الجماعية من الوظيفة إذا لم يتدخل الوزير لإيقاف ''الشعب'' وما تكتبه عند حدها••! فأجبت الوزير ضاحكا: أنا قلت الريش على رأس سراق الدجاج، فما ذنبي إذا مس هؤلاء رؤوسهم••! ولماذا لا تقبل استقالتهم ما داموا مسوا رؤوسهم ؟! فقال لي الوزير : مع الأسف أن الذين استقالوا ليس السراق الذين أشرت إليهم في مقالك •• بل الذين استقالوا هم الأبرياء والشرفاء•• أما السراق فلم يتأثروا بمقالك أبدا•• فقلت للوزير هذه مصيبة ••! وفي هذه الحالة أنا لم أفهم شيئا في هذا القطاع•• وعليّ إعادة النظر في كل معطياتي•• لأنني أردت تطهير القطاع من المرتشين فإذا بي أطهّره من الشرفاء••! وفي سنة 2006 سمعت أن أحد رجال الأعمال الكبار جمع بين السياسة والمال، وراح ينافس وزارة ولد عباس في فعل الخير ببلديات ولاياته، فوزع مساعدات رمضانية على العائلات المعوزة تفوق ما وزعه ولد عباس••! بحيث اتفق هذا الثري مع رؤساء البلديات على إعداد قوائم باسماء المحتاجين والمعوزين•• وقام هذا الخيري بتوزيع الأموال على المحتاجين بالتعاون مع رؤساء البلديات! فوزّع الأموال وأخذ من رؤساء البلديات فاتورات بما وزعه على المحتاجين•• وقدّم تلك الفاتورات بالأموال الموزعة في خانة الأعباء المالية لمصلحة الضرائب ••! أي أنه قام بتوزيع حق الدولة في الضرائب بمؤسسة على المحتاجين ••! ومصلحة الضرائب لا يمكن أن تطعن في مثل هذه الأعمال الخيرية لأنها في هذه الحالة قد تتهم بوقوفها ضد الفقراء والمساكين ••! والقانون لا يمنع صرف مثل هذه الأموال بهذه الطريقة ثم إدخالها في خانة الأعباء••! أي أن المعني تبرع بالمال العام تماما كما فعل ولد عباس•• والفرق بين الإثنين أن ولد عباس فعل ذلك باسم الحكومة، أما صاحبنا الثري ففعل ذلك باسمه الشخصي••! وبأموال الضرائب••! وبعد ذلك ترشح كفاعل خير في الأمة الفقيرة ونجح في النيابة لأن سجله الخيري حافل بأعمال الخير وفي شهر رمضان بالتحديد؟! وبات ينطبق عليه قول الشاعر العربي: يجود علينا الخيرون بمالهم ونحن بمال الخيرين نجود وما أروعها من أعمال خيرية حين تموّل من أموال مصلحة الضرائب؟! بالأمس فقط قرأت خبرا يقول إن مؤسسة خاصة تخصص جزءا من أرباحها السنوية لتمويل الفرق الرياضية الوطنية••! وقد وصل الأمر إلى حد تمويل الفريق الوطني الذي يبدو أن الدولة بكاملها عجزت عن تمويله••! وهي نفس الظاهرة التي كان يمارسها سيء الذكر المدعو خليفة عبد المؤمن الذي وصل به الأمر إلى حد تمويل فريق كرة القدم بمرسيليا•• دون أن تسأله الضرائب عن أي شيء؟! فهل الأمر بالنسبة لهذه الشركة الخاصة التي تمول 10 فرق كاملة من النخبة الوطنية، ومنها الفريق الوطني نفسه، لا علاقة له بموضوع صرف أموال الضرائب باتجاه هذه الفرق وتسجيلها كأعباء؟! أي التبرع بالأموال العامة ••! إن التهرب الضريبي في الجزائر أصبح علما قائما بذاته، وكل قانون يسن في هذا المجال لا يطبق حتى تتم عمليات إيجاد طرق خرقه••! مخطط الحكومة جاء شبه خال من مثل هذه القضايا، لأن الجزائر يراد لها أن تبقى جنة للإحتيال والنصب والتهرب الضريبي وتحويل المال العام بطرق قانونية نحو جماعات الضغط والمصالح••! قد أكون على حق في هذه الأمور•• وقد أكون مخطئا مثلما حصل لي سنة 1984 مع وزير المالية خلاف••! لكن في جميع الحالات فإن جدتي علمتني حكمة تقول: المال السائب يعلم الناس السرقة••! ولا أعتقد أن هناك في العالم العربي دولة فيها المال العام سائبا كما هو الحال في الجزائر••!