تعوّل فرنسا كثيرا على زيارة رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة المقبلة، وتحضّر على قدم وساق لإنجاحها، فهي تعلم جيدا أن الجزائر بلد محوري بالنسبة لمشروع ساركوزي ''الاتحاد من أجل المتوسط'' بصفة عامة، وللمصالح الاقتصادية الفرنسية بصفة خاصة، حيث تحاول الظفر بأول خرجة للرئيس بوتفليقة بعد توليه سدة الحكم لعهدة ثالثة• وتشير مختلف الانطباعات التي خرجنا بها ولمسناها لدى الأوساط السياسية والاقتصادية الفرنسية، أثناء زيارة قادتنا الأسبوع الماضي إلى باريس، أن فرنسا تريد من خلال زيارة الرئيس أن تعطي منحى جديدا للعلاقات الفرنسية-الجزائرية وتحقيق ما يسمى ب ''المصالحة التاريخية '' والتطلع إلى مستقبل خال من التشنجات، في ظل الاحترام المتبادل لخصوصيات كل بلد، حسب ما يتداوله دبلوماسيو باريس• فباريس تحاول من خلال مساعيها إعادة بلورة مبدأ الصداقة في صيغة أخرى ''بما أنها ترفض مبدأ الاعتذار عن حقبتها الاستعمارية في الجزائر، بحجة أنها لا تستطيع أن تطلب من جيل لم يعش الحقبة، وليس له يد فيها أن يعتذر''، رغم أن المطلوب هو اعتذار الدولة الرسمية التي تتحمل تبعات قراراتها، على غرار ما طلبته باريس نفسها من تركيا بشأن الأرمن• فبعد أن خفّف ساركوزي من وقع بعض المخلفات التاريخية على نفوس الجزائريين وتقدم بخطوة وصفت ب ''الإيجابية''، على إثر إعلانه خلال زيارته للجزائر، في 2007 ''أن الاستعمار كان ظالما قاسيا''، قام الوزير المنتدب لقدامى المحاربين الفرنسيين، خلال الأيام القليلة الفارطة، بزيارة ودية إلى الجزائر، حاملا معه ''بشرى''، أثلجت صدر ضحايا التجارب النووية الجزائرية وذويهم في الصحراء الجزائرية• كما وعدت فرنسا بمعالجة كل القضايا ذات الأبعاد التاريخية على مراحل كمسألة الأرشيف الجزائري في فرنسا وتسهيل إجراءات منح التأشيرة للجزائريين• وكثفت فرنسا قبيل زيارة بوتفليقة من خرجاتها الإعلامية في محاولة منها لاستمالة الرأي العام الجزائري وتوضيح وجهة نظرها ومبرراتها حول المسائل التاريخية الحساسة• وترى فرنسا في الجزائر محورا أساسيا في الاتحاد من أجل المتوسط، وتحاول إقناعها بكل الطرق لتشجيع إنجاحه والسير به قدما• فمن المنتظر أن يأخذ حيزا كبيرا من المحادثات المنتظرة بين الرئيس بوتفليقة ونظيره ساركوزي، خاصة في شطره السياسي، الذي يشهد جمودا راجع إلى اختلاف الرؤى السياسية وعدم الاتفاق حول الشخصية التي سترأس أمانته العامة، بما أن سير البرامج التنموية الاقتصادية في الإطار سائرة كما برمج له• ووفق ما أقرته مصادر فرنسية ذات صلة بالملف، فإن باريس تنوي تعزيز التعاون العسكري بين البلدين وإبرام اتفاقيات في الإطار، لقناعتها بأهمية الاستقرار الأمني في المنطقة وانعكاسه على الجانب الاقتصادي، فهي تعتزم الظفر بنسبة من سوق العتاد العسكري، بعد أن أصبحت روسيا المورّد الأول للجزائر• كما ترغب فرنسا في أن تبقى الشريك الاقتصادي الأول للجزائر خارج مجال المحروقات، فهي تطمح من خلال وضع استراتيجية جديدة لإعطاء نفس جديد للمستثمرين الفرنسيين في السوق الجزائرية، بعد أن فقدوا مكانتهم إثر ترددهم، ما فتح الباب أمام غزو الشركات الأمريكية المختصة في مجال الطاقة والصينية في القطاعات الأخرى• وترى فرنسا في قوانين الاستثمار التي تبنتها الحكومة مؤخرا شوكة بالنسبة لها، رغم عدم دخولها حيز التنفيذ، إلا أنها خلقت قلقا كبيرا في الوسط الاقتصادي الفرنسي ودفعت بهيئات فرنسية وأمريكية إلى مراسلة الوزير الأول أحمد أويحيى للاستفسار عن فحواها• وتهدف فرنسا إلى تعزيز تواجدها في المجال الاقتصادي، حيث انتقدت الجزائر عدم استثمارها بالقدر الكافي والاكتفاء بجعل الجزائر سوقا لمنتوجاتها فقط وتركيز استثماراتها الكبرى في دول الجوار، رغم التسهيلات التي تبنتها التشريعات الجديدة• وتشير قناعات الأوساط الفرنسية الى أن باريس ''تعول كثيرا على موقف الجزائر لتجاوز رواسب وتراكمات الماضي، والتطلع إلى مستقبل اقتصادي مشترك في ظل الاتحاد من أجل المتوسط، خاصة بعد أن لمست الإرادة الحسنة لدى الجانب الجزائري، التي ظهرت من خلال خطاب رئيس الجمهورية الأخير بمناسبة إحياء ذكرى مجازر 8 ماي ''1945 المربوط بشروط الاعتراف بالجرائم المرتكبة أثناء الاستعمار والتراجع عن تمجيده•