الإسلام منذ انطلق كرسالة إلهية في القرآن الكريم والسنّة النبوية الشريفة، أعطى للأم مكانة تتميّز عن مكانة الأب في معنى البرّ والعاطفة والإحسان، لأن الأم هي التي تبذل في صناعة الحياة للولد كلَّ الجهد، وتتحمّل كل الثقل والتعب وكل الرعاية، فهناك فرق بين الأبوّة والأمومة، فالأبوّة لا تثقل جسد الرجل، ولكن الأمومة تثقل الأم وتعرّضها للخطر، فهي التي تحمل الولد وتغذيه من كل جسدها، فيربك الحمل كل صحتها، ويثقل حركتها، ما قد يترك تأثيراً في صحتها بالمرض، أو بما يزيد من مرضها عندما تكون مريضة قبل الحمل، وهي التي تواجه الخطر على حياتها عند الوضع، ويأتي الدور الثاني، وهو دور الرضاعة والحضانة، حيث يقيّد الطفل حرية الأم في الحركة ويضيّق عليها الكثير من المساحة التي تتحرك فيها. ولذلك، تحدّث الله تعالى عن معاناة الأم بما لم يتحدث به عن معاناة الأب، بقوله تعالى: { حملته أمه كرهاً ووضعته كرهاً وحمله وفصاله ثلاثون شهراً }، هذه كلها من خصوصيات الأم. ومن جهة ثانية، فهناك الأب صاحب الفضل في الرعاية والعمل والجهد والتربية، عندما يقضي نهاره أو ليله ليبذل كل جهده في كسب الرزق وإعطاء العائلة كل فرص العيش الكريم، ولذلك فإن الله تعالى ساوى بين الأب والأم في مسؤولية الولد في الإحسان، وقد كرر الله تعالى كلمة الوالدين في أكثر من آية كريمة، ولكن يبقى للأم فضلها، لأنها هي التي تتحمّل المشقة في الحمل والوضع. ولذلك جاء الحديث النبوي الشريف الذي يقول: "الجنّة تحت أقدام الأمهات"، بمعنى أن الله قد جعل الجنة لها لأنها هي التي تبذل الجهد كله في صناعة الحياة للإنسان، وقد ورد في بعض الأحاديث، أن المرأة الحامل إذا ماتت أثناء نفاسها كان لها أجر الشهداء، فلها الثواب كما هو ثواب الشهيد، لأن الشهيد يحفظ بدمه للأمة عزتها وكرامتها، ويحمي أرضها وإنسانها. أما الأم، فهي التي تلد الشهداء والمجاهدين والعلماء والقادة والمصلحين، تحملهم أجنّة وتضعهم أطفالاً وترعاهم شباباً، وتحضنهم حتى لو بلغوا الخمسين والستين.