بات من الواضح أنه لا يوجد بالوطن العربي أي بلد كبير إلا لبنان الشقيق•• فقد تجرأ هذا البلد الصغير أرضا وشعبا، والكبير عزة وكرامة وديمقراطية، على هزم إسرائيل بالمقاومة وليس بالجيش الرسمي••! وتجرأ ثانية على هزم العرب، كل العرب، الجمهوريات الوراثية والتيجان المنوية، ديمقراطيا في لبنان الصغير الذي شيع آخر أمي فوق أرضه قبل نصف قرن، تجري انتخابات تشريعية ديمقراطية حقيقية يعانق فيها الخاسر الفائز بروح رياضية كاملة••! في حين لا نرى في الدول العربية الكبرى بالاستبداد والظلم إلا معارك تخلف الانتخابات بعد تزويرها•• ويفتخر المزورون بأنهم أنجزوا عملا وطنيا بتزوير رئيس أو برلمان للبلد••! منذ 15 سنة كنت أكتب عمود نقطة نظام في يومية مغمورة خاصة•• يديرها شاب لا يتعدى سنه الكامل عمري المهني••! وفجأة وجدت العمود لم ينشر ذات صباح•• ونشر مكان العمود خبر يقول: إن الكلاب المسعورة والضالة تهدد حياة الجزائريين••! كان محتوى العمود الذي صودر يقول: إن تزوير الانتخابات أخطر من تزوير العملة•• فلماذا نكتب على العملة ''القانون يعاقب المزورين'' ونتخذ العقوبة ضد مزوري العملة ولا نتخذها ضد مزوري الانتخابات؟! مع أن تزوير إرادة الشعب أخطر من تزوير أوراق البنك المركزي الجزائري؟! وعندما استفسرت لدى المدير الشاب عن سبب مصادرة العمود قال لي بكل بساطة: إن أحد المسؤولين الكبار في الدولة اتصل به وطلب منه بأن لا يتحدث في الجريدة عن مسألة تزوير الانتخابات•• لأن ذلك يمس بالمصلحة الوطنية العليا للبلد••! وقلت للمدير الشاب: تزوير الانتخابات ليس عيبا ولا يمس بالمصلحة العليا للبلد•• والحديث عن التزوير في الصحافة يمس بالمصلحة العليا للبلد•• هكذا قال لك هذا المسؤول الكبير؟1 قال المدير الشاب ''نعم''•• هكذا قال••! فقلت له تبقى على خير•• وانقطعت عن كتابة العمود••! ولكن المدير الشاب فهم ما قلته له بعد بضع سنوات، فأغلق جريدته وغادر البلاد إلى عاصمة الضباب، وهو الآن يشتغل في إحدى القنوات الفضائية••! تذكّرت هذه الحادثة عندما تابعت أخبار الانتخابات اللبنانية، ولم أسمع احتجاجا واحدا حول نتائج هذه الانتخابات، لأن لبنان الشقيق وصل فيه النضج السياسي إلى حد أن تزوير الانتخابات هو العيب والعار، وليس الحديث عنها في الصحف وكشفها هو العيب! وتساءلت ترى كم يلزمنا في الجزائر من وقت كي نصل إلى ما وصل إليه لبنان الشقيق وننجز انتخابات بلا تزوير••! هل حقيقة سنعيش إلى اليوم الذي نرى فيه في الجزائر انتخابات لا تزّور فيها الأحزاب وبرامج الأحزاب ومواقف الأحزاب ؟! ولاتزوّر فيها قوائم المرشحين•• ولا أتحدث عن تزوير أصوات المواطنين الناخبين••! لست أدري؟! وبالموازاة مع صورة لبنان، هناك صورة موريتانيا الشقيقة التي قبل فيها الإنقلابيون الجلوس مع الرئيس المنقلب عليه والاتفاق على صيغة ''سانت ايجيديو'' موريتانية أو الطائف اللبنانية، وتم ذلك في السينغال•• أي في دولة أجنبية وبوساطة أجنبية••! وهذا لتجنيب البلاد ويلات ركوب الرأس والهروب إلى الأمام والاستبداد بالحكم دون إرادة الناس••! في 1988 كان الشارع الجزائري يرقص فرحا، والثورة الإيرانية تطيح بحكم الشاه المستبد•• حتى إن التلفزة الجزائرية في ذلك الوقت قارنت ثورة الجزائر ضد الاستعمار الفرنسي بثورة إيران ضد الشاه ! لكن أين هم الآن وأين نحن الآن؟! بالأمس فقط تابعت السجال الإيراني بين المرشحين لرئاسة إيران•• المناظرة بين المرشحين لرئاسة إيران متعة سياسية وديمقراطية يتبارز فيها المرشحون لرئاسة إيران الإسلامية، كما يتناظر الرئيس أوباما الأمريكي مع خصمه، وكما تبارى ساركوزي مع غريمته في رئاسيات فرنسا، وتراشق المتبارون بالبرامج والمخططات والخطط الرامية إلى رفعة وعزة أمة الفرس•• ولا يتراشق هؤلاء ''بالقمامات'' (أكرمكم الله) على أعمدة الصحف•• كما فعلت الأرانب الرئاسية عندنا؟! هل بعد هذا يمكن أن نتحدث عن المقاييس القديمة للدول الكبرى والدول الصغرى••• المقاييس التي تعتمد على الأرض وعدد السكان•• أي المزارع الكبيرة للحكام وما عليها من أفنان يسمون أنفسهم سكانا••! ألم يكن أوباما على خطأ حين أوفد نائبه إلى لبنان على أساس أن لبنان بلد صغير وذهب هو إلى مصر•• وكان عليه أن يقوم بالعكس••! لأن الكبير والصغير لا يحدد بعدد السكان بل يحدد بحجم الحرية• أليست إسرائيل كبيرة وأكبر من كل الوطن العربي، لأنها واحة للديمقراطية والحرية؟!