يتحدث الشيخ نور الدين خضر عضو المجلس السياسي لحزب الله بقلب حارة حريك بالضاحية الجنوبية، ليؤكد عدة حقائق صنعت ملحمة المقاومة ويكشف بعض المعلومات التي واكبت المعارك اليومية، منتقدا بعض المواقف الداخلية والدولية بخصوص نزع سلاح المقاومة.. تكلم عن »الثقافة الكربلائية« في المجتمع الشيعي اللبناني وعن أمهات لا يبكين الشهداء بل يزغردن ..وعن أهال يسجدون شكرا لله أن رزقهم شهداء من العائلة، ويوزعون الحلوى انتشاء بالشهادة. ويتلكم عن الشارع الجزائري الذي وقف صامدا صامتا أمام لبنان وهو يذبح دون أن يفعل شيئا. حوار: طاهر حليسي - ما هي الدروس المستخلصة من طرف حزب الله حول حرب الثلاثة وثلاثين يوما؟ = خلال هذه الحرب كانت اسرائيل ومن معها من الملحقات العربية تتوقع أن تدور المعركة في ثلاثة أيام أو أسبوع على أقصى تقدير، لكن تمكن حزب الله ومقاوموه الأبطال من إطالة أمد الحرب إلى أكثر من شهر مع منعه من التقدم ولو بضعة امتار داخل المناطق الحدودية اللبنانية، رغم توفرها على غطاء جوي وطيران حربي متطور، هذه ثاني هزيمة للإسرائيليين، سبق لهم وأن خرجوا سنة 2000 (حرب التحرير) دون مكسب سياسي، أما في هذه الحرب فقد تبنينا عسكريا عمليات خاصة ومحدودة، أربكت العدو المشكل من 30.000 عسكري، كما منعنا الطيران المروحي (أباتشي) من القيام بعملياته بعدما نالت من بعضها صواريخنا المضادة، هزمنا »الجيل الرابع« من دبابات الميركافا، بالمختصر المفيد، لبنان انتصر وخرج قويا، وإسرائيل انهزمت وهي في حالة تضعضع سياسي وعسكري. - رغم عدم وجود غطاء سياسي عربي؟ = الموقف العربي موقف مخجل، نحن لم نطلب منهم مساعدتنا والوقوف معنا، لقد طالبنا منهم ألا يكونوا ضدنا، أن يلتزموا الحياد مثل »سويسرا« لكننا صعقنا عندما ذكر أولمرت وسيفي ليفني ودان حالوتس أن بعض الدول العربية تقف إلى جانب إسرائيل في حربها ضد لبنان، إنهم يطمئنون اليهود بالعرب في حرب ضد أبنائنا ونسائنا هذا مخجل، لكن صدقا لم نكن نعول على هذه الأنظمة العربية، يكفينا دعم حركة الشعوب العربية التي تظاهرت في شوارع المغرب والبحرين ومصر والأردن وسوريا، رغم علمنا أن بعض الأنظمة العربية كانت تمنع التضامن مع لبنان والتظاهر من أجل نصرة حزب الله ولو وجدانيا. - والجزائر؟ -= مادمت أتحدث مع صحيفة الشروق اليومي الجزائرية، سمعنا أن الجزائر قامت باتصالات لكن صراحة كان بودنا أن نرى حركة في الشارع الجزائري تتناسب مع حبنا وتقديرنا لجزائر الثورة والشعب الجزائري المناضل الذي دفع مليون ونصف مليون شهيدا. عموما موقف الشعب الجزائري نعرفه جيدا، لكن كنا نتوقع من الشارع الجزائري الكثير، أتمنى من الشعوب العربية ان تلتفت لمعاناة الشعب الفلسطيني، بعدما اعتقلت إسرائيل وزراء من حركة حماس، ورئيس المجلس التشريعي. إن هذه الحركة وصلت للحكم بطريقة ديمقراطية، لكن اسرائيل لا تحترم ذلك. والغريب أن هذا الاعتداء السافر يحدث، وليس هناك صوت واحد ولا حركة سياسية عربية، ولا شعوب وأنظمة تحركت ولو بالحركة والصوت، وهذا مخجل ومعيب. - أين كانت تكمن قوتكم وثباتكم إذن؟ = إسرائيل راهنت على تفتيت الوحدة الوطنية وإثارة النعرات الطائفية، لكنها فشلت بسبب صمود الناس والمجتمع ولبنان ككل رغم الآلام التي خلفها القصف، هناك 10 آلاف عائلة دون مأوى في بيروت، هدمت 150 بناية شاهقة بالكامل، سقط أكثر من 1300 شهيد رغم ذلك وقف الشعب صامدا وهذا عامل من عوامل النصر. - قيل الكثير عن تكتيكات المقاومة وشراسة قتال المقاومين، كيف تقيمون هذه المحاور الأساسية؟ = أنا أعتبر أن المقاومة اكتسبت خبرة قتالية كان تشتغل عسكريا على مدار سنوات طويلة ولم تتخل عن فكرة المقاومة وسلاح المقاومة. أنا لن أحدثك عن تكتيكات الحرب، سبق لجريدتكم أن نشرت ذلك على ما أعتقد، لكن سأحدثك عن شيئين أساسيين هما: كانت إسرائيل في السابق تتعامل في حروبها مع الجيوش والدول العربية وفق معلومات أمنية أي باختراقات استخبارية. نحن أولينا هذا الجانب أهمية كبرى، لم تستطع إسرائيل اختراقنا بل نحن اخترقناها استخباراتيا، نلعم عنها الكثير ولا تعلم عنا شيئا.. إنهم لم يكونوا يعرفون أماكن تواجدنا وهذا شيء في غاية الأهمية والدقة. - لكن اسمح لي أليس استهداف بعض السكنات ومقار القيادات ومراكز الحزب دليل على توفر معلومات أمنية تلقتها الطائرات الإسرائيلية عبر جواسيس يعملون عبر الأرض في الضاحية وبقية المناطق؟ = (يضحك) أؤكد لك أن القصف الذي طال منازل الضاحية لم يكن لقياديين في الحزب، وإنما كان لمواطنين أبرياء، لأن إسرائيل اعتمدت على »عملاء« و»جواسيس« رخاص، كانوا يؤشرون على السكنات بأشعة الليزر وغيرها مقابل الحصول على مئات الدولارات فقط. هؤلاء كانوا يقدمون لإسرائيل أهدافا عشوائية مضللة للحصول على الدولارات فقط، بضعة مئات الدولارات لأن الإسرائيلي بخيل والأمريكي أبخل!. - والأمر الأساسي الثاني؟ = الأمر الأساسي الثاني هو أهم من سابقه، هو الأمر العقائدي النظيف والشفاف؛ إن مقاتلي حزب الله لهم تكوين تربوي يصل بالإنسان إلى درجة ومرحلة الارتباط بالخالق عز وجل تجعله يتطلع إلى الآخرة دون الدنيا، وحتى بهذه الثقافة »الكربلائية« ليست الدنيا شيئا إذا كانت دون عزة وكرامة. الموت بكرامة وعزة أفضل من حياة المذلة والهوان. هذه هي ثقافة المقاومين ومقاتلي حزب الله، إضافة إلى ذلك فمجتمعنا (الشيعي اللبناني) يملك أيضا هذه الثقافة. اذهب إلى مجالس العزاء، فستجد أن الأمهات لا يبكين الشهداء بل يزغردن لهم فرحا، أهالي الشهداء يسجدون شكرا لله إن رزقهم شهداء في العائلة. الناس يوزعون الحلوى انتشاء بالشهادة مقابل ذلك كان الإسرائيليون يفرون من الرصاص ويبكون مثل النساء. - بحكم اطلاعكم هل تسمحون ببعض العينات الحية عن بسالة المقاتلين؟ = كثير.. لكن أذكر أن أحد المقاتلين بالجنوب كان مرابطا في موقعه لأيام وليال طويلة، ونفد منه الماء، وأنت تعرف حرارة الجنوب، طلب بعض الماء فأخبره بعض المجاورين له بالخروج من موقعه والقدوم لأخذ حصته، لكنه رفض ذلك خشية على موقعه وواصل قتاله حتى لقي ربه عطشانا. بعض المقاومين أكلوا النباتات والحشائش البرية على مغادرة مواقعهم، وحتى عندما طلب سماحة السيد حسن نصرالله أن الخطة التكتيكية لا تقتضي الاحتفاظ بالأرض وبعض البلدات وأنه بإمكان المقاتلين الانسحاب التكتيكي من بعض القرى والبلدات على غرار بنت جبيل وعيناتا وعيتا الشعب، ومارون الرأس، قرر هؤلاء الشباب المقاومون إبلاغ القيادة أنهم أخذوا قرارا جماعيا بعدم الانسحاب والاستشهاد عن آخرهم حتى لا يتركوا للصهاينة شبرا واحدا في الأرض اللبنانية، هكذا كان الحال. بفضل هؤلاء لم تتقدم إسرائيل في عيتا الشعب مترا واحدا خلال 25 يوما من الحرب. - قيل لي إن بعضهم لم ينزع حذاءه في 33 يوما وإن بعضهم كانوا يقاتلون وهم صائمين؟ = أعرف أن قسما كبيرا من هؤلاء المقاومين كانوا صائمين معظمهم استشهدوا وهم كذلك، هذه الروح المعنوية السائدة عند المقاومين من المستحيل هزمها. - هل كان سماحة السيد نصر الله يتصل بالقيادات الخاصة بالمقاومة العسكرية في الجنوب؟ = نعم كان سماحة الشيخ نصر الله يتابع الوضع يوميا ويتصل بالقيادات المهتمة بشأن المقاومين. طبعا حاول الإسرائيلون أن يقطعوا الاتصال عندما قصفوا وسائل الاتصال، لكننا أخذنا كافة الاحتياطيات فجهزنا وسائل رديفة واحتياطية وبقي التواصل قائما من أول يوم في الحرب إلى آخر يوم، والدليل على ذلك أننا كنا نحدد من مراكز القيادة كيفية خروج الصواريخ بصورة دقيقة ونعطي لها الإحداثيات داخل الأراضي الإسرائيلية بصورة أدق! - ماهي وصايا سماحة السيد حسن نصر الله لهؤلاء أثناء المعارك؟ = كان لديهم مخزون معنوي كاف جهزناهم لذلك المخزون المعنوي لا يختلف عن المخزون المادي، كل شيء موفر؛ الماء، الذخيرة، السلاح وحتى إذا خانتهم أحيانا تلك الإمكانات شبابنا متعود على الصمود والصوم خاصة كما قلت لك، وحقيقة الأمر لم نتلق شكوى واحدة من المقاومين طيلة أيام الحرب رغم علمنا بالصعوبة التي تعترض بعضهم في الميدان. - هل في صفوف المقاومة مقاتلون عرب؟ = لا .. نحن نرفض المتطوعين العرب عندنا اتفاق مع الحكومة اللبنانية في هذا الشأن لا يمكن جلب متطوعين عرب حتى لا نجلب مشاكل الكل يعرف طبيعتها، ونحن لدينا قرار حديث يمنع حتى تجنيد عرب من آباء عرب وأمهات لبنانيات على غرار بعض المصريين والسوريين والعراقيين والأردنيين، لأن جنسياتهم ليست لبنانية إذن نحن لا نسمح لغير اللبنانيين الانخراط في صفوف المقاومة لأسباب تفهمها! - لبنانيا.. في اليوم الأول لوقف إطلاق النار طلعت أصوات لبنانية (قوى 14 آذار) - 14 مارس، بتصريحات تطالب بنزع سلاح المقاومة، ماهو تعليقكم عن هذا الموقف؟ = سلاح المقاومة أمر داخلي لا نرضى التعاطي فيه خارج هذا الإطار، نحن نؤكد أن مسألة التخلي عن السلاح غير ممكنة لصالح عدو إسرائيلي لئيم ومجرم، البعض يطالب بضمانات، لكن أنظر أن القرار (1701) الخاص بوقف إطلاق النار.. ومع ذلك فإن اسرائيل تخرقه، وخرقته من خلال عملية الانزال في منطقة بوداي ببعلبك، لا يمكن أن نسلم رقابنا لعدو لا يحترم القرارات الدولية، في وقت أن الجيش اللبناني ليس بإمكانه رد العدوان الاسرائيلي، هذا السلاح الذي نملكه لم يتلطخ بدماء اللبنانيين أثناء الحرب الأهلية وفي غيرها من الصراعات وهو سلاح دفاعي يستخدم لصالح لبنان ورفع رأس لبنان، إذن ينبغي أن تقدس هذه المقاومة وتحمى برموش العيون، لأنها حافظت على كيان لبنان وصنعت مجده. - ماهي الخلفية الحقيقية لهذه الدعوات والحملات الداخلية؟ = هؤلاء يريدون منح اسرائيل نصرا في السياسة عجزت عن تحقيقه في الحرب، لأن اسرائيل تواجه مآزق سياسية. طلبوا منا نزع السلاح، لكن هذا السلاح سيبقى، لأنه شرعي، حت في الحرب مع اسرائيل قتلنا العسكريين وهم كانوا يقتلون المدنيين، وإذا كانت اسرائيل ومن ورائها أمريكا عجزت عن تجريدنا منه بالقوة، لا أحد باستطاعته أن يدفعنا إلى التخلي عنه! - بخلاف موقفكم من قوى 14 آذار.. لكم علاقات مميزة مع نبيه بري ورئيس الحكومة فؤاد السنيورة؟ = بخصوص موضوع السلاح، فإن حتى بعض الأطراف الدولية والعربية بدأت تدرك حقيقة الوضع الداخلي، أمير دولة قطر عبّر عن ذلك، كذلك سجل وليد جنبلاط مؤخرا موقفا إيجابيا من المقاومة وسلاحها، أما بخصوص رئيس مجلس النواب نبيه بري فقد أقمنا معه (حركة أمل) اتحادا سياسيا منذ صدور القرار 1559 ولنا مواقف موحدة، وكان لنا تنسيق كامل أيام المعركة، ودون تفاصيل كنا نأمل أن تكون حكومة فؤاد السنيورة في مستوى قوة المقاومة وعلى قوة سياسية أكبر، كان عليه أن يكون قاسيا مع الأمريكيين خلال الحرب، كنا نأمل ألا تكون هناك لقاءات مع السفير فلتمان وكوندوليزا رايس ومدننا تقصف بصواريخ أمريكية وبقرارات أمريكية. - بعد انتصار حزب الله في الجولة الأولى.. تهدد إسرائيل بجولة ثانية ضدكم؟ = هذا كلام "هراء". لو كانت إسرائيل قادرة لأكملت الحرب معنا، جيشها لا يستطيع شن الحرب وأوضاعها السياسية معقدة، هم يدركون أن وضعنا أقوى بكثير في الميدان، كثير من الناس لم نكن نتوقع أن يكونوا معنا، ووجدناهم معنا في أرض السياسة والمعركة، خلال هذه الحرب حشدت اسرائيل 30.000 جندي نحن لم نكن سوى 1000 مقاتل، هم دعوا الاحتياط، أما نحن فلم ندع للتعبئة العامة، أتدري وهذا لن يعود سرا بعد الآن، بإمكان حزب الله أن يجند 75000 مقاتل في الجنوب، رغم ذلك لم نفعل فقد كبد حوالي 1000 مقاتل إسرائيل خسائر لم تتكبدها في كافة حروبها السابقة مع دول عربية ذات نزعة تسلحية، بألف مقاتل ألحقنا بإسرايل هزائم كبيرة وهددنا عمقها الاستراتيجي بشكل سيدفعها إلى التفكير قبل مواجهة حزب الله.