حاولنا الاقتراب من الوجه الآخر للمرأة السياسية المناضلة، رغم أنها أبدت لنا استحالة فصلها كامرأة عن مسيرتها النضالية•• التقينا بها على هامش المهرجان العالمي للسينما الذي أقيم مؤخرا في مخيم الداخلة الصحراوي، وكان لنا مع السيدة الأولى للصحراء الغربية خديجة حمدي هذا الحوار• في البداية، معالي الوزيرة، نريد أن أتعرف على شعورك وأنت زوجة رئيس دولة؟ أن تكوني زوجة رئيس، فذاك يعني أنك استثنائية وفي موضع استثنائي أيضا، ويجب أن تتصرفي بعقلانية في جل الحالات وأن تودعي بشكل قطعي الارتجال؛ باعتبار أن كل تصرفاتك محسوبة ولها من يقرؤها بترجمات مختلفة، ولكن أن تكوني زوجة رئيس لبلد في المنفى وعلى رأس شعب في مخيمات اللاجئين•• أنا لا أمشي على بساط أحمر ولا أختال مع الوصيفات•• زوجة رئيس في ثورة هي مناضلة بالجبر وبالاختيار•• في النهاية أنا صحراوية وبالاختيار أنا مناضلة• كيف هي علاقتك مع الزوج والرئيس محمد عبد العزيز؟ هي علاقة زوج مع زوجته، تسودها المحبة والاحترام، ولكن السياسة كالذرة تؤكد وجودها الثقيل كلما حاولنا أن نكون فقط زوجا وزوجة، دون تعقيدات السياسة، تحدث بيننا خلافات أحيانا ويكون الخلاف عادة في المسائل السياسية، فالرئيس يشاورني في كل المسائل ليس كوني فقط زوجته بل أيضا كوني عضوا في الأمانة العامة لجبهة البوليزاريو ووزيرة للثقافة، ولكن لا أخفي عليك أن هناك مسائل ليس لي بها علم ولا أحاول حتى معرفتها لحساسيتها، وفي بعض الأحيان أفضل ألا أتكلم مع زوجي عندما يكون مهموما•• فعبد العزيز، بقدر ما تتغلب عليه إنسانيته بقدر ما يجعلك تحتكم دائما إلى ما يريحه رغم فضولي الدائم لمعرفة ما يحدث له ومعه• مسؤوليات كثيرة قد تجعلك مقصّرة في حق أبنائك والتزاماتك العائليّة؟ لي ستة أبناء، 4 ذكور و2 إناث• ابنتي الكبرى لها 26 سنة وابني الصغير له 10 سنوات، أحاول أن أؤدي وظيفتي الطبيعية كأم، لكن للأسف لا أؤديها بأكمل وجه•• أبنائي الأربع تلقوا تعليمهم الثانوي في الجزائر ثم أكملوا تعليمهم العالي في إسبانيا وكوبا، وعندي ولدان يتلقيان إلى حد الآن دروسها في مدارس الجزائر الشقيقة، ولقائي بابني الصغير خاصة بقدر ما يكون لي متنفسا بقدر ما يحرجني أمام نفسي لتقصيري الكبير، ورغم هذا فأنا أحاول في الوقت القصير الذي يجمعني بأولادي أن أستثمره في إعطائهم النصائح، بالإضافة إلى أنني أتعمد في بعض الأحيان تلقينهم بعض المبادئ السياسية حول وضعية بلدهم من أجل تعزيز حسهم الوطني، وهذا بغية التعويض نوعا ما عن تقصيري الذي فرضته الظروف التي يعيشها كل الشعب الصحراوي المجاهد • على ذكر الظروف التي يعيشها الشعب الصحراوي، كيف تتأقلم الوزيرة المرأة مع الواقع الصحراوي المعيش ؟ في الحقيقة، أنا امرأة صحراوية دون ألقاب ولا أبهة، ربتني البيئة الصحراوية ولعلك لاحظت علاقة الناس بي وعلاقتي بهم، فكل الناس أصدقائي وليس هناك هرم حقيقي في مجتمعنا نحن الصحراويين، فليس هناك فرق بين الرئيس والمرؤوس عندنا، إلا في الوظائف والمسؤوليات وماعدا هذا فكل الصحراويين سواسية، وهذه الطبيعة التي يتمتع بها كل صحراوي ساعدتنا إلى حد بعيد في تحمل قساوة الطبيعة أولا والتأقلم مع الظروف التي فرضها الوضع المرحلي التاريخي التي نمر به، ولأن كل صحراوي متيقن بثقل المهمة التي بعاتقة فإنه قوة تحمله تزيد عن قوة التحمل الطبيعي وهذا لقوة الظرف وحساسيته• كونك سيدتي، وزيرةً للثقافة، كيف ترين مستقبل الثقافة في بلدكم، وهل من معوقات للتعريف بها في المحافل الدولية • مستقبل الثقافة في بلدي هو في حد ذاته مستقبل بلدي، فثقافة الصحراء أعمق واقوي من أن تدجن في معلبات الإلحاق إلى أي إطار كان، ابتداء من اللثام رمز الرجولة إلى ''الملحفة'' و''الرمباية'' رمز المروءة التي تتمتع بها المرأة الصحراوية الأبية• لقد حرصت بمساعدة القائمين على هذه الوزارة أن تكون الثقافة الصحراوية واجهة حقيقية للصحراء الغربية ولعل المهرجان العالمي للسينما في مخيم الداخلة في الصحراوي، والذي جمع عديد الأسماء المعروفة في السينما العالمية وتنظيمه في هذه الظروف الصعبة التي ترين في مخيم للاجئين، أعظم دليل على الأولوية التي تحظ بها الثقافة ناهيك على أن الثقافة هي ''ديبلوماسية إبداعية'' ووجه آخر للتعريف بالقضية الصحراوية العادلة، ونحن في الحكومة الصحراوية واعون بالأهمية الكبيرة التي يجب أن تحظ بها الثقافة• ولعل ما أقدم عليه المغرب وخلقه مهرجانا في ولاية الداخلة على ضفاف الأطلسي خير دليل على أهمية المهرجانات الثقاقية ومختلف النشاطات في التعريف بالقضايا التحررية خاصة، ورغم الإمكانيات الكبيرة التي سخرها المغرب لاستقطاب عديد الوجوه السينمائية في هذا المهرجان المناوئ لمهرجاننا هذا والذي اختير له نفس توقيته• إلا أننا نحن الصحراويون واثقون أن كل المبدعين الأحرار واعون بالفرق الذي يوجد بين مهرجان ''الداخلة'' المحتلة و''الداخلة'' اللاجئين المقاومة• أما المبدع الصحراوي فهناك فعلا عقبات كبيرة تواجهه ولعل ما حدث للشاعرة الصحراوية ''بنت الحسان'' مؤخرا، في مهرجان دبي وإقصائها في آخر لحطة من المشاركة في المسابقة خير دليل على ذلك• خديجة حمدي•• شاعرة وقاصة لم تعط لإبداعها حقه من الانتشار، لماذا هذا التقصير؟ الإرهاصات الأولى كانت قصيدة ''بنت الصحراء'' في 1975 وأتذكر عندما كنت طالبة في جامعة وهران، نظمت مسابقات شعرية وقد شاركت عديد المرات بقصيدة ''خبز الجياع''، وأتذكر في تلك المرحلة كان في الجامعة زينب الأعوج، واسيني الأعرج، أمين الزاوي وربيعة جلطي• هذه الرباعية التي كان لي الحظ بمعرفتها في أولى خطواتها نحو الإبداع والشهرة• وفيما يخص القصائد وحتى القصص، فلم أقم بنشرها بعد بسبب الالتزامات السياسية ••لقد أخذت على عاتقي إبراز إبداعات الآخرين و تناسيت نفسي بالإضافة إلى عدم الاستقرار أيضا، فالمنفى يأكل الأحلام مثلما يشرد الإبداع وفي أحيان كثيرة أبكي على أوراقي المبعثرة هنا وهناك •• للأسف لدي قصائد كثيرة ضاعت مني كأحلامي الكثيرة الضائعة، لكنني أعاند وأعاود جمع أوراقي وفي هذه الآونة بالذات أحاول نشر قصتي الأولى التي سميتها ''أوجاع الرمل '' بعدما ترددت بين ''انفجار ذاكرة'' و''ذاكرة الفجر'' وهذا سبق لجريدة ''الفجر'' وستقوم وزارة الثقافة الجزائرية على الأرجح بطباعتها• كلمة النهاية•• اعلمي أيتها الجزائرية العزيزة، أن لنا من الجزائر شبه وقرابة وكما انتصر الشعب الجزائري ذات 1962 فسيأتي وقت ينتصر فيه الشعب الصحراوي على الظلم، فما ضاع حق وراءه طالب أبدا ولن تكسر آمال الشعب الصحراوي هذه القاعدة النضالية أبدا، إضافة أنه لن تمر على الشعب الصحراوي سنين أقسى من السنين الماضية، وتأكدي أننا لن نموت جوعا لأننا أصلا شعب لا يشبع•