تتواصل المقاومة السلمية الصحراوية داخل المدن المحتلةوجنوب المغرب والمواقع الجامعية وبالسجون، رغم الحصار العسكري والاقتصادي المضروب على إقليم الصحراء الغربية المحتل. ورغم التحركات الاستخباراتية الرامية إلى قتل الإحساس الوطني الصحراوي بكافة الوسائل، إلا أن المواطن الصحراوي مازال يواصل نضاله بكافة الطرق السلمية في أكثر من موقع نضالي للمطالبة بالاستقلال. ويبقى تنظيم الملتقى الدولي التضامني الثاني مع المرأة الصحراوية الذي حمل شعار ''المرأة والمقاومة'' المنتهية أشغاله مؤخرا بمخيمات اللاجئين بتندوف، أحد أساليب النضال في وجه المحتل المغربي كونه يبقى مناسبة لإبراز مدى معاناة الشعب الصحراوي الذي ضاق ذرعا من تعنت وتنكيل النظام المغربي. وفضلت ''المساء'' خلال تواجدها في مخيمات اللاجئين جس نبض النساء الصحراويات وخرجت بقناعة أنهن أكثر تشبثا بالقضية واستماتة في مطالبهن إلى غاية تحقيق النصر النهائي. وكانت الأيام التي قضيناها في مخيمات اللاجئين على قصر مدتها بمناسبة انعقاد الملتقى الدولي للمرأة الصحراوية كافية للوقوف على حجم المأساة التي يتكبدها هذا الشعب دون أن يفقد الأمل في تقرير مصيره والعودة إلى دياره ليحيا حياته التي طالما حلم بها في كنف السلم وحسن الجيرة. كما أن ثلاثة أيام التي استغرقها هذا الملتقى جعلتنا نتساءل عن سر هذا الإصرار والرغبة في الانعتاق من استعمار استيطاني ولكنه تساؤل ما لبث أن وجد إجابته وتأكدنا أن سر ''صبر أيوب'' الذي يتحلى به هذا الشعب إنما استمده من نساء باسلات عرفن كيف يقفن وراء رجال بواسل في مقاومة البطش المغربي بشجاعة الرجال. وقد استشفت ويني مانديلا رفيقة درب المناضل الإفريقي الرمز في وجه نظام الابارتيد نيلسون مانديلا خلال تواجدها بمخيمات اللاجئين سر تلك القوة الكامنة وجعلتها لا تخفي إعجابها بتضحيات مثيلاتها الصحراويات السبب الذي دفع بها إلى التعهد بمرافقة وفد صحراوي نسوي دولي لتنظيم ندوات في العواصم الدولية الفاعلة من بينها واشنطن وباريس للتعريف بالقضية الصحراوية وكسب سند جديد كفيل بالدفاع على شعب يعاني في صمت. وقد اكتشف الصحافيون الذين كلفوا بتغطية فعاليات ذلك الملتقى درجة الإصرار على استرجاع الحق الضائع لدى عائلة زاوي التي تكفلت بهم طيلة مدة إقامتهم من توفير المأكل والمشرب وحسن الضيافة والاستقبال. ولدى تقربنا أكثر من السيدة زاوي ربة البيت لفت انتباهنا قوة ملامح وجهها المائل إلى السمرة ونظرتها الحادة لم تستطع سنوات اللجوء ولا درجة معاناتها من كسر بريقهما. وكشفت لنا نبرة صوتها الحادة ونوعية حديثها مع ضيوفها درجة وعيها الذي اكتسبته في اللجوء المفروض والإيمان المترسخ بأن العودة إلى أرض الوطن آتية لا محالة وأن استقلال الصحراء الغربية وان طال فهو أكيد. وتحكي السيدة زاوي يومياتها بالمخيمات بعد 35 سنة من تواجدها هناك بشغف كبير منذ أن طردتهم القوات الاستعمارية المغربية من أراضيهم وهي في ريعان الشباب وحتم عليها وضعها الجديد الزواج في المخيمات وكونت عائلة هي اليوم تقوم برعايتها وغرس روح المقاومة بين عناصرها كانت ابنتها خديجاتو آخرها والتي كتب لها القدر هي الأخرى أن تتزوج قبل شهر فقط. وروت خديجاتو يومياتها بمخيم 27 فبراير وأكدت أنها تتفاعل بشكل يومي مع كل الأخبار التي تصل عائلتها من المدن المحتلة عبر الفضائية ''الصحراوية'' وتداعيات قضية إضراب الناشطة الحقوقية أميناتو حيدر. وأكدت خديجاتو أن 32 يوما من إضراب ''غاندي الصحراء الغربية'' اكسبها تآزر كل الصحراويين معها وعبرت عن اعتزازها بهذه المرأة التي تمسكت بأصولها واستطاعت في النهاية أن تتغلب على النظام المغربي بمعدة خاوية. وأضافت أن يوم عودتها إلى الأراضي الصحراوية بمدينة العيون خرج اللاجئون إلى الشارع ليعبروا عن فرحتهم ورفعوا الأعلام الصحراوية ونادوا بحياة حيدر إلى درجة جعلت خديجاتو تصف تلك الاحتفالات بالتي عاشها الجزائريون عقب تأهل فريقهم إلى مونديال جنوب إفريقيا.
سلطانة خيا رمز آخر في كفاح المرأة الصحراوية
وكانت أيام الملتقى فرصة لرصد انطباعات الناشطة الحقوقية سلطانة خيا إحدى ضحايا التنكيل العسكري المغربي التي حيت موقف الجزائر الثابت واتحاد النساء الجزائريات الذي كرمها عرفانا بنضالها في وجه زبانية المحتل المغربي. وروت خيا ل''المساء'' شهادتها حول الحادثة التي أدت إلى فقدان عينها اليمنى، واستحضرت ذلك اليوم المشؤوم وقالت انه بمناسبة تنظيم وقفة تضامنية مع الطلبة الصحراويين بجامعة إبن زهر بمدينة أغادير المغربية بعد تعرضهم لهجوم امني شرس، نظمنا مسيرة من كلية الحقوق مرورا بكلية الآداب ووصولا إلى الحي الجامعي التابع لجامعة القاضي عياض بمراكش ولكننا فوجئنا بتدخل همجي من طرف جميع أسلاك القوات الأمنية المغربية حيث سقط أول الضحايا. وأكدت أن قوات الأمن المغربية استهدفتها بشكل مباشر حيث شكلت عناصر هذه القوات دائرة من حولها وحاصروها وشرعوا في ضربها بالعصي وركلها في كل أجزاء جسدها بما فيها وجهها دون رحمة حتى فقئت احدى عينها وعندما توسلت إليهم نتيجة درجة الألم تمادوا في ضربها على نفس العين. ''وتعرضت للاختناق بسبب القنابل المسيلة للدموع والماء الساخن ومادة أخرى أجهلها''، تضيف المتحدثة ''لقد أشبعونا ضربا وركلا''. وقد أبقوا علينا داخل الحي الجامعي وعرضونا لشتى أنواع الضرب المبرح وبشكل متواصل إلى أن أصبحنا شبه جثث هامدة، بعدها أخذونا إلى سيارة إسعاف بعد أن كبلونا بالأصفاد ولم يمنعهم ذلك من مواصلة ضربنا حتى داخل سيارة الإسعاف، وكان ذلك مرفقا بالسب والشتم العنصري ينم عن حقد دفين تجاه كل ما هو صحراوي في مشهد ساهم فيه أيضا طاقم سيارة الإسعاف الذي كان يطلب من الجلادين الزيادة في تعذيبنا.
المشاركات في الملتقى يؤكدن دعمهن للنساء الصحراويات
كما اقتربت ''المساء'' إلى مجموعة من الوجوه المشاركة واللواتي قدمن من مختلف قارات العالم تعبيرا منهن على مساندتهن لنساء قضية منسية لمعرفة انطباعاتهن حول دور المرأة الصحراوية في المقاومة السلمية التي تقودها جبهة البوليساريو وخاصة الكيفية التي يفكرن فيها من أجل مساعدتهن لإيصال صوت العدل لقضية مازالت دون تسوية إلى حد الآن. وكشفت إيدا دوتي مديرة العلاقات الدولية بالمعهد الوطني للمرأة الفنزويلية أن سبب قدومها إلى مخيمات اللاجئين هو إعداد تقرير يسمح بمعرفة سبل تدعيم القضية الصحراوية التي أصبحت تشكل حاليا قضية دولية، وهو ما ترجمه الحضور الكبير والمميز للوفود الأجنبية إلى المخيمات، وقالت أن الشعب الصحراوي شعب طيب وكريم، أما المرأة الصحراوية فهي تختزل فعلا المثال الحقيقي لقوة العزيمة والشجاعة والمقاومة كما أنها تحمل وجها مشرقا بالجمال ''بل هي جميلة جدا'' رغم المعاناة. وأكدت أن فنزويلا تدعم القضية منذ القدم باعتبارها قضية عادلة ''ونحن نعمل على دعم الشعب الصحراوي في عدة ميادين على رأسها التعليم والصحة، كما أن تواجد السفير الصحراوي فوق الأراضي الفنزويلية دليل على دعمنا وإقرارنا بحق هذه الدولة، بالإضافة إلى الطلبة الصحراويين الذين يزاولون دراستهم داخل المدارس الفنزويلية حتى أنهم يأخذون المنح المدرسية''. وأضافت ''لقد سمعنا الكثير عن التجاوزات والممارسات اللاإنسانية المرتكبة في حق الشعب الصحراوي وخاصة النساء'' وبما أنها تمثل معهدا نسويا خلال الملتقى فقد عبرت عن أسفها الشديد للوضع اللاإنساني الذي تعيشه النساء الصحراويات في المدن المحتلة مما يحتم علينا جميعا فعل شيء من أجل هذا الشعب وقضيته العادلة. وعن فكرة هذه الندوات والملتقيات الدولية تقول المتحدثة أنه يعد منبرا مهما جدا للتعريف أكثر بالقضية الصحراوية، ''ونحن خير مثال على ذلك كوننا نحضر للمرة الأولى، ما يعني أن مثل هذه الندوات تلفت أنظار العالم، وهذا هو المطلوب، لأن كل الوفود التي شاركت ستكون لها نظرة واضحة بخصوص القضية ونحن بدورنا سنعمل على التعريف بالقضية في بلادنا''. وأكدت ايدا دوتي أن وزيرة المرأة في فنزويلا كانت متحمسة لحضور وفد فنزويلي لتعميق العلاقات مع المرأة الصحراوية كاشفة أن حضورهن إلى مخيمات اللاجئين هدفه التقرب أكثر لمعرفة القضية الصحراوية عامة والمرأة الصحراوية على وجه خاص للخروج بتقييم يمكن من معرفة حاجيات المرأة الصحراوية. من جهتها، أكدت الجزائرية منى حميطوش العضو المنتخبة في بلدية إزلكتن بالعاصمة البريطانية لندن عن دعمها اللامشروط للقضية الصحراوية ورغبتها في حشد أكبر عدد ممكن من المناصرين للقضية. وذكرت أن الهدف من حضورها في مثل هذه الملتقيات يرمي أساسا إلى تقديم المزيد من الدعم والمساندة للمرأة الصحراوية في مسيرتها الكفاحية، معتبرة أن هذه التظاهرات خطوة إيجابية جدا بالنسبة للقضية الصحراوية، وأيضا للوقوف على واقع المرأة ومعاناتها عن كثب ومن ثمّ فإن كل الوفود الحاضرة ستخرج بتقاريرها التي يمكن أن تنير الرأي العام الدولي حول القضية الصحراوية. وعن وضعية المرأة الصحراوية قالت المتحدثة أنها تعاني حاليا الأمرين فهي تواجه ظروف عيش قاهرة وسط هذه الصحراء القاحلة التي يصعب العيش فيها والتي صنفت من أصعب المناطق على المستوى الدولي، ومن جهة أخرى نجد أن الجيل الأول والثاني من الصحراويات حرمن من أمور كثيرة جراء الاستعمار وجدار العار الذي عزل العديد من الأسر لسنوات متواصلة وحرمهن حتى من الاستفادة من التكنولوجيات الحديثة نظرا لسياسة العزلة المفروضة عليهن. وأكدت أنه على مستواها سيتم نقل القضية الصحراوية إلى أوساط المجتمع المدني البريطاني حيث أشارت الى أن الرأي العام في بريطانيا يجهل واقع القضية الصحراوية لأنه يصب كل اهتمامه على الشرق الأوسط. وقالت أنه شعب يحب العدالة وبإمكانه احتضان القضية الصحراوية في أي وقت. وأكدت أن الطبقة السياسية في بريطانيا أصبحت تدرك الآن مدى عدالة القضية الصحراوية خاصة بعد الزيارة التي قادت مجموعة من النشطاء الحقوقيين الصحراويين كأميناتو حيدر وخديجة حمدى سنة 2007 إلى بريطانيا العظمى، حيث التقوا بمجموعة من البرلمانيين والسياسيين، وكانت تلك اللقاءات بمثابة نقطة تحول كبيرة في السياسة البريطانية تجاه القضية. وهناك العديد من الجمعيات والشخصيات المتضامنة مع الشعب الصحراوي، ولعل أبرزها جريمي كربين عضو برلماني يمثل بلدية إزلكتن والذي يعتبر من أبرز النشطاء المساندين للقضايا العادلة في العالم، والتي أنشأ لها لجنة مساندة مكونة من مجموعة من البرلمانيين تعمل على دعم صوت الشعب الصحراوي في المحافل الدولية. وقالت أنها بمجرد عودتها فإنها ستعمل على جمع كل الأصوات المؤيدة للقضية والسعي إلى نقل القضية الصحراوية من البرلمان إلى المجتمع المدني البريطاني من خلال تنظيم تجمعات وملتقيات لكن في غالب الأحيان نجد أن كل محاولات الدعم للقضية محدودة ومنحصرة في مجهودات فردية نظرا لقلة الإمكانيات. وأكدت الأمينة العامة لاتحاد المرأة الصحراوية السيدة فاطمة المهدي أن الحضور المميز الذي سجلته مخيمات اللاجئين خلال هذه التظاهرة دليل على الالتفاف الشعبي العالمي حول القضية الصحراوية الذين توافدوا من أوروبا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، لتناول كيفية تفعيل المقاومة الصحراوية كونها الركيزة الأساسية في الاستقلال، ونحن نعول أن يكون بمثابة دفع كبير للقضية والتعريف بها وزيادة عدد المناصرين والمتضامنين معها من كل بقاع العالم. وأوضحت أن هذا الملتقى الدولي في طبعته الثانية الذي اختير له شعار ''المرأة الصحراوية والمقاومة''، يدخل في إطار المسيرة الكفاحية للشعب الصحراوي الذي ساهم في لم شمل العنصر النسوي، كما يعتبر محطة لتقييم ومراجعة وتفعيل دور المرأة في المقاومة الصحراوية وتجديد الدعم والتضامن لها باعتبارها عنصرا مهما في معادلة تحقيق الاستقلال. واتسم اللقاء -تقول السيدة فاطمة المهدي- بحضور الشخصيات الدولية التي عاشت وتميزت بتجاربها في مجال إثبات الذات والمقاومة، الأمر الذي سيساعد في إثراء وتعميق النقاش على كل المستويات وكل المحافل منها الإفريقية والأوروبية، لإعطاء بعد أكبر لعدالة القضية الصحراوية. وكشفت أن المرأة الصحراوية تتبوأ مكانة متقدمة ويظهر هذا من خلال المناصب التي اعتلتها في الدولة والحكومة، غير أن الإشكال المطروح حاليا هو أن التقدم يقتصر فقط على النساء المقيمات داخل المخيمات، بينما النساء في المناطق المحتلة لازلن يعانين من ويلات الاحتلال والقمع والترهيب والتقتيل وكل أشكال التعذيب هذا ما يمنع عليهن المشاركة في الحياة السياسية وهو أمر يؤثر على مسيرة المقاومة للمرأة الصحراوية.