تحوّل، أمس الأول الخميس، مقر وزارة الشؤون الدينية والأوقاف في حيدرة بالعاصمة إلى مكان شبيه بغرفة العمليات في حالة طوارئ، شدّ إليه أنظار أكثر من 35 مليون جزائري، وهم ينتظرون موعد أول يوم من شهر رمضان 2009 وهي الإرهاصات التي عاشت ''الفجر '' كواليسها عن قرب، وهي تتابع كيفية الإعلان عنه بطريقة ''فلكية ودينية واجتهاد جماعي'' بمباركة علماء دين موقّرين ومختصين في علم الفلك، أو ما يعرف ب ''اللجنة الوطنية للأهلة''، محاولة بذلك نقل التفاصيل الكاملة عن مجريات الأمر، والوقوف على مدى حقيقة الإشاعات التي يقف وراءها الخوارج والتيار التكفيري، الذين يوهمون الرأي العام الوطني بأن ''إعلان أول رمضان وعيد الفطر يخضع لحسابات سياسية بالجزائر''، وهو الاتهام الذي تتبرأ منه الوزارة وأعضاء لجنة الأهلة، حيث اكتفى بعض شيوخها بالقول ''حسبنا الله ونعم الوكيل على دعاة الفتنة والبلبلة''• كان المحيط الخارجي لوزارة الشؤون الدينية والأوقاف بأعالي العاصمة (حيدرة)، الخميس الماضي، الذي صادف ''ليلة الشك''، كما هو معروف لدى الجزائريين، أو الليلة التي يُعرف خلالها موعد أول يوم من شهر رمضان، يوحي منذ الوهلة الأولى بأن شيئا غير عادي يحدث داخل هذا المرفق العمومي الهام، وكانت التعزيزات الأمنية والشاحنات المتنقلة لمؤسسة التلفزيون الجزائري، والحركة من وإلى داخل مقر الوزارة بعض مؤشراتها، وهي أولى الصور التي رصدتها ''الفجر'' في حدود الساعة الخامسة مساء بعين المكان• ما أن تدخل مكتب الاستعلامات والتوجيه بالوزارة حتى تتأكد فعلا بأن شيئا غير عادي يحدث بهذه الدائرة الوزارية•• حركة دؤوبة، اتصالات هاتفية لا تنقطع، دخول وخروج من المكاتب ومصلحات الوزارة، فاكسات تتهاطل على المكاتب، وحركة بالسلم ••الخ، وهو استفسار بريء ومليء بالثقة والإعجاب أجاب عنه أحد ملازمي وزير الشؤون الدينية، بوعبد الله غلام الله، دون أن يدرك هويتنا الصحفية ونحن ننتظر مصدرنا ''كيف لا ووزارتنا في هذه اللحظة تشد أنظار أكثر من 35 مليون جزائري لمعرفة متى يكون أول يوم رمضان؟''• وما هي إلا لحظات تمر حتى بدأ أعضاء اللجنة الوطنية للأهلة، التي يترأسها الوزير، بوعبد الله غلام الله شخصيا، وإطارات الوزارة وعلماء دين أجلاء يتوافدون الواحد تلو الآخر إلى مقر الوزارة، في مظهر يوحي بالتنوع الثقافي والحضاري بالجزائر العميقة، حيث تتكوّن تشكيلة هذه اللجنة من الشيخ عبد الرحمان الجيلالي، الذي لم يمنعه الكبر من أن يشارك في رصد هلال شهر رمضان الجاري، خاصة وأنه اعتاد حضور هذه المناسبة منذ الاستقلال، بل حتى قبل ,1962 كما كانت الزوايا الدينية التي تزخر بها الجزائر حاضرة كذلك في عضوية لجنة الأهلة، منهم ممثل زوايا منطقة القبائل الكبرى، الشيخ محمد الطاهر آيت علجت، شأنها في ذلك شأن المذهب الإباضي، الممثل هو أيضا من طرف رئيس مجلس عمي السعيد، الحاج داكير، بالإضافة إلى ممثل عن المجلس الإسلامي الأعلى، الممثل في الأستاذ محمد شريف زاهر والدكتور الفقيه كمال بوزيدي، الذي عرفه الناس عبر حصة ''فتاوى على الهوا'' التلفزيونية ببساطة ردوده وعمق تحاليله للحالات الاجتماعية المثارة على المباشر، فيما يمثل المركز الوطني للفلك وعلوم الجيوفيزياء، الدكتور باسم سيقوراني• كانت أجواء اجتماع هذا الحضور النوعي شيقا، لكن سرعان ما انقطع فور استدعائهم إلى سكرتاريا الوزارة بالطابق العلوي، وهو المكان الذي ينقل منه الحدث مباشرة عبر 3 كاميرات للتلفزيون، ولأن الوزارة منعت حضور وسائل الإعلام باستثناء مؤسسة التلفزيون، تمكنّا وبإصرار شديد من التوغل رفقة مصدرنا إلى السكرتاريا، أين كان الحديث بين الشيوخ يدور في شكل مقارنة بين رمضانيات الجزائر قديما ورمضان السنوات الأخيرة• ولما تزامن الحدث مع ذكرى يوم المجاهد المصادف ليوم 20 أوت، تطرق الحضور إلى رمضان الثورة التحريرية، وكيف كان النصر يتحقق كل يوم، وكيف تزداد القوة لدى أفراد جيش التحرير الوطني، كما تطرقوا أيضا إلى سلبيات باتت تلازم الشهر الفضيل، ولم تكن عادة جزائرية سابقا منها ارتفاع الأسعار والاحتكار ومظاهر تسيء إلى الأخلاق وشهر الصيام، مستغلين الفرصة ليبرزوا أن رمضان شهر رحمة وتآزر وفرصة للصفح والتوبة، سواء بين المخلوق وخالقه أو مع الخالق ومحيطه الاجتماعي• هدوء، سوسبانس، متابعة وطنية•• أخيرا القرار يبلوره الجميع وما هي إلا لحظات حتى بدأت لجنة الأهلة في عملها بعد كلمة ألقاها وزير الشؤون الدينية والأوقاف، بوعبد الله غلام الله، هنّأ فيها باسم فخامة رئيس الجمهورية، عبد العزيز بوتفليقة، المسلمين عموما والجزائريين خصوصا، بحلول شهر رمضان الكريم، وشرعت اللجنة المركزية للأهلة في اتصالات دورية بين لجانها الفرعية عبر 48 ولاية، تستفسر عن ظهور الهلال، وسط توضيحات يقدمها ممثل مركز علم الفلك• وما أن أعلن أن أول يوم من شهر رمضان في المملكة العربية السعودية سيكون يوم السبت، فتحت اللجنة نقاشا هامشيا تطرق إلى الجوانب الفلكية والعلمية، خاصة وأن موقعها الجغرافي يؤهلها لأن تسبق الجزائر في رؤية الهلال، وتكون أوفر حظا في تحقيق الرؤية• وأكد في هذا الصدد ممثل المركز الوطني لعلم الفلك أن الظواهر الفلكية بالجزائر لا تختلف كثيرا عن مثيلاتها بالسعودية، ومن ثم لا يستبعد أن يكون هلال رمضان غدا أي الجمعة• وفي هذه الأثناء، كان موظفو وإطارات وزارة الشؤون الدينية يتلقون بين اللحظة والأخرى مكالمات هاتفية من أقاربهم ومعارفهم تستفسر عن القرار الذي لم يحسم بعد، وبعد طول انتظار والتأكد من أن الهلال لم يظهر عبر كل ربوع الوطن، قررت الأهلة وبموافقة جميع أعضائها أن يكون أول رمضان يوم السبت، دون أي اعتبارات أو إملاءات فوقية، كما تروج لها أطراف مجهولة في السنوات الأخيرة بالشارع الجزائري• وفي هذا السياق، حاولت ''الفجر'' الاقتراب من بعض أعضاء لجنة الأهلة حول جدوى هذه المزاعم المغرضة، حيث أكد بعضهم أن ''الحملة يروج لها تكفيريون وخوارج لا يمتون بأية صلة للدين الإسلامي الحنيف، '' فيما قال أحدهم ''حسبنا الله ونعم الوكيل فيمن يشكك في إقرار الأعياد الدينية''، وقال آخر إن ''أي مسلم ومؤمن يكون في نفس المسؤولية لا يسمح له ضميره بإقرار شيء باطل''• هي حقائق نقلتها ''الفجر '' من مقر وزارة الشؤون الدينية، وكانت واضحة وضوح الشمس بأن إعلان يوم عيد الفطر ورمضان يتم بطريقة علمية وفلكية ووفق اجتهاد جماعي، ما يفند مزاعم أصحاب هذه الحملات ويؤكد طابعها المغرض•