ساعة صدق مع الله في جوف ليل قد هجعت فيه العيون، وغارت فيه النجوم، ساعة تقبل فيها على الله بكلية قلبك مستغفراً، متضرعاً بين يديه، متفكراً في دنياك وأخراك وتتفكر في الموت وما بعده، وفي ما مضى وفي ما بقي، ساعة على هذه الشاكلة•• تقضيها في صلاة خاشعة، وذكر كثير، ومناجاة فيّاضة، ساعة فحسب •• وقد تحول فيك كل شيء بإذن الله وإذا أنت غير أنت الذي كنت قبل قليل •• إحساسات جديدة تشرق في قلبك، ما كنت تعهدها من نفسك• ولو قيل لك عبّر عنها، لعجز لسانك عن ذلك وغاية ما يمكن أن تقوله: إني أجد في قلبي ما لا أستطيع التعبير عنه ••!! لقد انقشعت الغشاوة التي كانت تعمي بصيرتك، ولقد ارتفع الضباب الكثيف الذي كان يغلّف روحك، ومن ثمّ كنت لا ترى حقائق الأشياء كما تراها الآن •• وها أنت اللحظة تطير بغير جناحين في عالم سماوي ملئ بالنور، قد عجّت فيه تسابيح الملائكة، واستيقظ قلبك أخيراً، فخرج من غفلته، وأصبح مستنيراً جداً، كأنه كوكب دري يوقد من شجرة مباركة••• لقد عادت المياه إلى مجاريها الأولى ••• يوم كانت الفطرة سليمة لم تلوثها أكدار الحياة، لقد تفتّح الربيع في روحك على أروع ما يكون التفتح •• !! ما عليك الآن إلا •• إلا أن تحافظ على هذه الاستنارة القلبية، وتعمل على صقلها باستمرار، وتتعهدها بين الليلة والليلة، والساعة والساعة، واللحظة واللحظة •• وفي ذات الوقت •• عليك أن تبقى في حالة حذر ويقظة من مكايد الشياطين••• الشياطين الذين يدأبون بكل وسيلة ليصرفوك عن هذه الدائرة النورانية التي تشدك بقوة إلى السماء، إنهم يراهنون على أنهم قادرون على استدراجك ليقذفوك في وحل المعاصي وأقذار الموبقات •• فإيّاك وإيّاهم••إن مكرهم لتزول منه الجبال ••