في الأيام الأولى من رمضان لم أستطع تحديد ماذا سأشاهد·· ''باب الحارة'' بدأت غريبة فكل أهلها ماتوا·· ويسرا أصبحت تشبه الحاج لخضر نجدها في كل لقطة· والكثرة المبالغة تأتي كما الفقدان· عدد المسلسلات الكبير وزعني التيه، على الرغم من أزمة مالية مفترضة لا شك أنها تشبه أحداث 11 سبتمبر تحبك فقط لتغطي إجراءات ما سيكون من غير الطبيعي القيام بها في الأوضاع العادية، لذا لابد لها من أغطية ثقيلة تساند العمى عندنا· في النهاية استسلمت لذوق أخواتي الصغار·· لاسيما المدللة الصغيرة في البيت والتي أكبرها بقرابة عشرين سنة، هي تشاهد ''الجمعي'' في البداية، بعدها تهرع لبعض الأشغال المنزلية التي لا نزال نحتفظ فيها بنظام المناوبة أو الدالة، وعند التاسعة تماماً تشاهد مسلسل ''كلام نسوان'' ثم تتابع برنامج رزان مغربي ''ديل أو نو ديل''، ثم مسلسل ''خاص جدا'' ليسرا، بعدها مسلسل ''ليالي'' التي تعرف جدا أنه استمد من قصة سوزان تميم، ثم لا أعرف بالضبط ما الذي تشاهده لأنه سيكون قد غلبني النعاس·· وأنا أشاهد معها مسلسل ''كلام نسوان'' لصاحبته لوسي التي بدت سيليكونية ووجهها صفيحة جلدية لا تعبير لها من كثرة الشدّ والمدّ، تذكرت طفولتي، حين كان رمضان يعني دربوكة من الطين يأتي بها والدي من سوق الأحد الأسبوعي وغالبا ما يقوم بتكسيرها هو أيضا لأنني سأزعجه بها قبل أذان المغرب، عندما أكون بصدد تمضية الوقت فأنا أيضا صائمة ولا يغلبني رمضان مثله·· بعد الإفطار أذهب مع جدتي إلى التراويح·· أين نلتقي بنسوة كثيرات أغلبهن من العجائز اللواتي يغمرهن اللون الأبيض الطاهر، كنت أبقى آخر الصف وعندما يكنّ في وضعية السجود أنهض أنا وأرى الجميع ساجدات·· كنت أحب تلك الصورة ولكن كنت أسرق متعتي تلك بخوف وسرعة شديدة لأن الله قد يعاقبني·· عندما تنتهي التراويح كان يبدو لنا أن الوقت لا يزال مبكراً جداً·· فألتحق بالفتيات وأحمل معي فانوسي، ذلك الفانوس الذي أعرف جيدا طريقة صنعه فهو عبارة عن علبة طماطم مصبرة فارغة، من فئة الكيلوغرام، كنا نأتي بمسمار ومطرقة ونقوم بثقب القاعدة مرات كثيرة حتى تبدو تلك الثقب ورطة نور بعدها نقلبها بشكل أفقي ونضع لها يدا بواسطة سلك حديدي ونشعل شمعة في وسطها ونركض في الأزقة·· مرة رميت فانوسي في الأرض وهرعت لأن بنت الجيران الأكبر سناً منا والتي يقال لها العويتقة خرجت من الشرفة وصرخت شريهان·· شريهان··· فجأة لا يبقى في الشارع غير الذكور·· كانت تأتي شريهان بكل غنجها وموسيقى ألف ليلة وليلة تحرضك على الخيال فنردد معها: ''ياشي يا شي من فيكم معرفهاشي··'' فساتينها كانت ورطة حقيقية للغوص في أحلام مراهقة مبكرة، وحكاياتها وهي عروس بحر تجرنا جراً إلى عوالم مسحورة كنا لا نستفيق منها إلا عند موعد المسلسل الديني عند الحادية عشر ليلاً·· والمسلسل الديني أيضا حتمية تجمع كل العائلة هذه المرة·· وليست تنسى الذاكرة شيئا·· فكانت أغنية الجنريك تقول: ''مع البشير محمد·· مع النذير محمد على صراط الهادي نحيا ونلقى الله··'' ناهيك عن المعلومات التاريخية التي رسخت فينا حتى أصبحنا نعرف تسمية كل الخلفاء الأمويين والعباسيين·· وفجأة سمعت لوسي تتحدث لولدها وتقول له: ''يابني الفلوس