قلبت العواطف الفياضة التي جادت بها المسلسلات التركية المدبلجة مؤخرا الكثير من المفاهيم، وأرغمت البعض على رؤية الحياة من وجهة نظر تلك المسلسلات، وهو الأمر الذي انعكس على مفهوم الزواج والحياة الزوجية في نظر البعض.. يبدو جليا أن سر الوله الذي ضرب العقول والقلوب العربية والجزائرية أيضا حيال الشخصيات التركية التي صنعت قصص حب خرافية في "دموع الورد" ،"نور"، "سنوات الضياع" وحاليا مسلسل "وتمضي الأيام" الذي يتابعه الكثيرون بشغف كبير خصوصا وأن البطل "اسمر" استطاع أن يسحب البساط من تحت أرجل البطل الوسيم "مهند"، وجذب إليه الأنظار والتعليقات التي تحمل مدلولات الوسامة و"الرجولة" . ولكن الملاحظ أن سر التعلق بهذه الشخصيات التي جمعت بين الوسامة، الأخلاق والمال، بل السبب الحقيقي يكمن في الشحنات الرومانسية التي اخترقت البلازما ودخلت القلوب بدون مقدمات، وخلفّت أجواء من الغيرة والمقارنة بين الأزواج، حيث غدا شبح مهند "بعبعا" يخيف الرجال، فقد كان مثالا للحب الحقيقي تجاه المحبوبة، لدرجة أنه ترك المال والقوة لكسب ودها والحفاظ على حبه العميق لها، أما الإخلاص والصدق والتفاني من أجل الحبيب فهي صفات ارتسمت في شخصية يحي بطل "سنوات الضياع" . وقد أجمعت الكثيرات على صفات خاصة في زوج المستقبل، أغلبها مستوحاة من صفات تلك الشخصيات القادمة من عالم البلازما، إذ تعترف أنيسة 23 سنة طالبة علم الاجتماع أنها تأثرث مثل كل الفتيات بالشخصيات التي عاشت معها أصعب الأحداث في قصص المسلسلات، "بل أكثر من هذا فقد جعلتنا تلك القصص نغار من واقعنا المعاش، لأن الحب الذي رأيناه في عالم نور ومهند خرافي ولا يوجد في واقعنا، وأنا شخصيا أتمنى أن أجد رجلا في صفات يحي وتصرفات مهند، لا أطلب المستحيل، إنه الحب فقط الحب الذي يعتبر أكسير الحياة" تقول الفتاة. والجدير بالذكر أن حمى المسلسلات قد عصفت بقائمة الخيارات والصفات المتوفرة في زوج المستقبل، بل أكثر من هذا أصبحت صفات أبطال المسلسلات التركية صفات مطلوبة في زوج المستقبل، حيث تقول رتيبة 29 سنة التي انطلقت بالحديث عن صفات" أسمر" قبل أن نكمل سؤالنا، أنها تحلم بفارس يشبه بطل مسلسل " وتمضي الأيام" .. إنه رجل بكل ما تحمل الكلمة من معان، تعكس تصرفاته الشعور بالأمان، كما أنه رجل شهم وهي عملة نادرة في أيامنا هذه" أما ريم متربصة بمركز للتكوين المهني بالعاصمة فتعطي الحديث مجرى آخر، إذ ترى أن الكرم والأخلاق النبيلة صفة محمودة في الرجل، وقد كان " أبو عصام " بطل مسلسل "باب الحارة" في مستوى هذه الصفة، تقول "لقد أعجبت كثيرا بشخصيته التي تمثل شهامة ومروءة الرجل العربي، وهي صفة أتمنى أن أجدها في زوج المستقبل، شئنا أم أبينا نجد أنفسنا مشدودين إلى تلك الشخصيات لأنها تحمل الحلم الضائع في حياتنا. الشباب من جهتهم أيضا عصفت بهم رياح المسلسلات، لكن ليس بنفس القوة التي اقتحمت الحصون النفسية النسوية، يقول خالد "لقد تابعت باهتمام كبير مسلسل "نور" ولا أخفيكم أن دموعها، حزنها، صبرها الكبير وعشقها لحبيبها، كلها صفات رائعة جعلتني احلم بالحصول على زوجة في مثل صفاتها، إنها مثال للتفاني في الحب". أما يسري الذي مر بتجربة عاطفية فاشلة فقد وجد العزاء في الحب المهرب من أجندات المسلسلات التي لا تؤمن بالواقع أحيانا وتبحر في عالم المستحيل، يقول "لقد استطاعت الكلمات الحانية والأحداث المفعمة بالحب والإخلاص وانتصار الحب على الحقد والكراهية أن تعيد لي الثقة بنفسي وبالمحيط الذي أعيش فيه، وأنا في انتظار قدوم حبيبة العمر التي تشبه لميس جمالا ووفاء.
الفراغ العاطفي وراء الظاهرة
في الموضوع ترى الأستاذة "هدى .ع" أخصائية في علم الاجتماع بكلية العلوم الاجتماعية لبوزريعة أن "الرومنسية المفرطة والحب الفياض الذي طغى على المسلسلات التركية بالذات جاء لملء الفراغ العاطفي الذي يعيشه المشاهد العربي وسط قساوة الحياة"، وحول أثر المسلسلات في مفهوم الزواج قالت: "الأمر الذي لم يفهمه الكثير هو اختلاف المجتمعات والعادات والتقاليد، فهناك الكثير من الأشياء التي لا يتشابه فيها المجتمع الجزائري والتركي، فنحن نستقبل عادات بعيدة عن عاداتنا وأحداثا ووقائع يصعب تقبلها في مجتمعنا، والأكيد أن الواقع المعاش عكس ما تجود به حكايا تلك المسلسلات فهي تقدم المستحيلات على طبق من ذهب، فالرومانسية المطروحة مبالغ فيها ولها أثر سلبي جدا كونه بعيدا عن الواقع ويتسبب في إحداث الهوة بين الأزواج، ما قد يفضي لطلاق معنوي يكون له بالغ الأثر على استقرار الأسرة.