نصري عبد الله، واحد من هؤلاء الغيورين الذين يطمحون إلى ترقية اللغة العربية والذين يعملون في صمت بعيدا عن الأضواء. نصري من مواليد 1952 بالجزائر، متزوج وأب لأربعة أطفال، عصامي التكوين، تعلم الخط على يد الشيخ محمد الشريفي أستاذ الفنون الجميلة بالجزائر خطاط ومبدع اشتغل في بداية مشواره في مطبعة ''طباعات الفن'' أين تعلم فنون الطباعة وعمره لا يتجاوز ال 17 سنة. احتكاكه الدائم بآلة الطباعة مكنه من التعرف على أهم المشاكل التي تعاني منها الطباعة مع التكنولوجيا خاصة حروف اللغة العربية، عمل قي الثمانينيات مصمما للافتات وخطاطا بمجلة الوحدة للاتحاد الوطني للشبيبة الجزائرية، كما شغل منصب السكرتير التقني لرئاسة التحرير بجريدة ''أوريزون'' في سنوات التسعينيات• بدأ بحوثه في السبعينيات، حيث انصب اهتمامه على المشاكل التي تعرفها اللغة العربية وما يعترض توظيفها في مجال الإعلام الآلي ومختلف التكنولوجيات الحديثة، وكانت أول ثمار بحوثه في الثمانينيات حيث أقام معرضا سنة 1982بالمركز الثقافي بالعاصمة حمل عنوان ''روح الحرف'' عرض فيه تشكيلة مختلفة من أنواع الخطوط العربية، وبين مختلف الاستعمالات التي يمكن أن توظف فيها حروف هذه اللغة، ولأنه يؤمن بأن إيجاد الحل يكمن في قوة العقل على تبسيط المشاكل، فقد كرس جهوده في البحث عن أفضل الطرق لتكييف اللغة العربية مع مختلف التقنيات من جهة، والمحافظة على أصالتها ورونقها الجمالي من جهة أخرى، إلا أن هذا لا ينفي - كما قال - اهتمامه باللغة اللاتينية أيضا على أساس أن كل اللغات تنتظم وفق معايير وأشكال وأنماط عامة تراعي خصوصيات كل لغة• قام عبد الله بإنجاز عدة برامج لحساب جهات مختلفة، حيث أنجز سنة 1986 لصالح المفوضية العليا للبحث -مركز تطوير التكنولوجيات المتقدمة - مجموعة قوالب لرموز عربية مبسطة للتوظيف على جهاز الكمبيوتر موجهة للعرض على الشاشة. وفي الفترة الممتدة ما بين 19881985 أنجز لحساب المؤسسة الوطنية لأنظمة الإعلام الآلي قوالب لرموز عربية مبسطة إلى 12 نوع زرعت في طابعات المؤسسة الإبرية والطابعات التي تعمل بالليزر• نصري الذي قال إن اختياره لشعار ''توحيد النمط الاختصار والمقروئية'' هو الهدف الأساسي لبحوثه التي أرادها أن تبنى على تشفير الحروف العربية (وضع شفرة رمزية ) تغطي جميع الأشكال المتداولة للحروف الهجائية والأرقام و الرموز في أجهزة الكتابة الآلية• تنميط البيانات أي وضع نمط موحد لكتابة البيانات باللغة العربية وبرمجتها حتى نتمكن من إدخالها وإخراجها عبر مختلف وحدات الحاسوب، كالشاشات وآلات الطباعة وكذلك نقل البيانات بين وحدات الحاسوب وتوحيد النمط يسمح بكتابة الكلمات متشابكة الحروف تماشيا مع طبيعة اللغة العربية• ومن أجل مستقبل زاهر للغة العربية عبر مختلف الوسائل الاتصالية الحديثة، أنشأ ''المجتهد'' وهي مكتبة صغيرة يقوم فيها بجميع نشاطاته البحثية، الخاصة باختراع برامج الإعلام الآلي والتي شملت عدة قوالب للكتابة تتماشى والتطبيقات التكنولوجية في مجال العرض والإعلان الالكتروني، لأن اللغة العربية حسبه ليست مستعملة في الخطاطة فقط وموجهة للتزيين والرونق، لكنها كذلك كتابة إلكترونية لها روح مميزة، لأن القوالب التي اخترعها نصري مكنت من توظيفها في سياق سليم يتأقلم مع كل الاستعمالات الالكترونية• اخترع عبد الله عدة برامج شملت قوالب للكتابة تستعمل في مختلف التطبيقات الإلكترونية، والتي جاءت لإثراء التشكيلات الموجودة، حيث بسطت هذه البرامج الحروف العربية لأقصى درجة مما سهل توظيفها في المجال التقني مهما اختلفت وسيلة الطبع سواء كانت الأضواء المركبة، الأشعة الضوئية، عارض ديود أو كوارتز، مصباح غاز النيون ذي الشدة العالية.. وهي أهم التقنيات التي اعتمدها نصري في اختراعاته، والتي مهما تغيرت يبقى التوظيف سهلا، كما تستعمل هذه التقنيات أيضا في الإعلانات الالكترونية والعنونة المطبعية، وقد سمح برنامجه ذي النمط الموحد بازدواج الشفرة اللاتينية والعربية، أي كتابة اللغة العربية الند بالند مع اللاتينية في نفس السطر، معناه أن يبقى الارتباط قائما بينهما مهما كان الاختراع التكنولوجي• ويقصد بالبساطة تقليل عدد الرموز الأبجدية المعروضة، والتي تتغير حسب الحاجة التقنية لتطبيقاتها، لتقترب تدريجيا وبدقة عالية من روح الحرف وتكييف القوالب بطريقة سليمة مع كل تقنية. ومن أهم النماذج المخترعة: القالب الذي أطلق عليه اسم ''اوتونتيك كوارتز'' الذي يتكون من حروف وأرقام رقمية تمثل وحدة للكتابة. وبما أن الحرف في الإعلام الآلي، كما قال، عبارة عن مجموعة من النقاط فقد قام بمضاعفة عدد النقاط، فبدل النقطة نقطتين، أي الحرف الذي يتكون من ثلاث نقاط أصبح بست نقاط، وهذا ما ساهم في منح إضاءة وتوازن أكثر للحروف لأن ارتفاع الحروف العربية يعتبر من أهم المشاكل التي تواجهها أثناء توظيفها في الإعلام الآلي على عكس اللاتينية منها التي لا تطرح هذا الإشكال، والنموذج صالح أيضا للغة الفارسية• أما عن أهم المشاكل التي اعترضت مساره البحثي، فليست الأبجدية العربية في حد ذاتها وإنما ما يتبعها من علامات الوقف والأرقام، أي كيفية كتابة الحروف العربية وعلامات الوقف بنفس أجزاء القالب المخترع، وهو ما توصل إليه بالفعل، ويعمل حاليا على إيجاد حل لمشكلة الشكل والتنوين• لقد زاوج المبدع نصري بين جمال المخطوط العربي اليدوي والتكنولوجيا لأنه يرى أن روح المعرفة هي السبيل الوحيد لتطبيقها باستحقاق• رغم قيمة هذه الاختراعات التكنولوجية التي تخدم اللغة العربية بالدرجة الأولى والمجال التكنولوجي ثانيا، إلا أن المستفيد الأول، منها كانت الولاياتالمتحدةالأمريكية، وعن السبب قال عبد الله إنه وجد كل الأبواب موصدة في وجهه داخل الوطن وحتى في الدول الشقيقة مثل السعودية، قطر، المغرب، ما عدا العراق البلد الوحيد الذي راسله سنة 1983 وتلقى رد اعتذار من طرفهم كون مقر الجامعة العربية المكلفة بالبحوث تم نقله إلى الرباط، فيغير وجهته إلى أوروبا لامتلاكها شركات مختصة في ابتكار البرامج مثل: سيمون سيتي، نوفا فيل، لوتراسات، ولينوتيب.. لكن اختراعه لم يرض توجهاتهم التجارية، فراسل صدفة شركة ''ماي فونتس'' الأمريكية في الألفينات وهي فرع للشركة الأم ''بيت ستريم'' التي تعتبر من أكبر الشركات الالكترونية الإعلامية في الولاياتالمتحدةالأمريكية وعرض عليهم اختراعه الذي كان حرفا عربيا لاتينيا تمثل في ''كوارتز'' وتم إمضاء العقد معها، وقد بيع النموذج للجامعة الكندية• ويأمل عبد الله أن يسلط، ولو القليل من الضوء، على ابتكاراته ليتمكن من العمل داخل بلده ويسجل اسمه ضمن أصحاب براءات الاختراع•