لم أكن أتصور، ولا أحد من الزملاء الكتاب والباحثين، ولو للحظة، أن مباراة رياضية بين الشقيقتين مصر والجزائر سوف يكون لها تلك التداعيات السياسية والتأثيرات السلبية ليس علي العلاقات المصرية الجزائرية فحسب، ولكن على مجمل قضايا أمتنا العربية الراهنة• ولا أستطيع أن أتصور كيف سيسطر التاريخ ذلك الحدث وكيف سيقرأه أحفادنا في المستقبل، وماذا سيكون انطباعهم عنا• فحتى داحس والغبراء لم يكن يتهدد العرب في وقتها عدو خارجي، بينما نحن الآن محاطون من كل جانب بأعداء يريدون لنا الفناء ويستكثرون علينا البقاء حتى لو تابعين أذلاء• فقد تسببت تداعيات تلك المباراة في مضاعفات خطيرة بعد أن نجحت في تحويل الأنظار وصرف الانتباه وتشتيت الجهد بعيدا عن قضايا حقيقية ومصيرية تمر بها الأمة العربية في هذه المرحلة الحرجة من تاريخها• فعلى الصعيد الداخلي لا يجب صرف انتباه المواطن في كل من مصر والجزائر عن المشاكل التي تواجه من بطالة وتضخم اقتصادي وانتخابات رئاسية، وغيرها من تلك الأمور التي تهم المواطن في كلا البلدين، عن طريق اللعب على وتر الحس الوطني وتوظيفه فيما هو ليس له• كما لا يجب إعطاء الفرصة لأعداء المشروع القومي العربي من أتباع المدرسة الأجنبية الفرنسية في الجزائر والتغريبية الأمريكية في مصر، كي يدفعوا بالشعبين الشقيقين خارج المحيط القومي العربي والارتماء في الأحضان الأجنبية سواء كانت شرقية أو غربية• وعلى الصعيد الفلسطيني لا يجب صرف انتباه وجهد المواطن العربي بعيدا عن الأخطار المحدقة بمدينة القدس ومسجدها الأقصى، جراء سياسات التهويد التي ينفذها الاحتلال الإسرائيلي وتجري على قدم وساق وفي غياب وصمت عربي عجيب، فقد حذر الشيخ رائد صلاح رئيس الحركة الإسلامية بالداخل الفلسطيني من مخططات ''إسرائيلية'' خبيثة لفصل أهالي القدس عن المسجد الأقصى المبارك وتفريغ الأقصى من العباد والمرابطين، وأضاف قائلا:''إن ذلك ينذر بأن هناك شيئًا خبيثًا وخطيرًا تحضر له المؤسسة ''الإسرائيلية'' ليصبح الأقصى وحيدًا بقوة السلاح''• كما صرح سكرتير الهيئة المقدسة لمناهضة الهدم والتهجير في القدس، ناصر الهدمي، قائلا:''لقد أصبح العالم بأجمعه شاهد عيان على ما يجري في مدينة القدس من تهويد وهدم ومخطط بعيد الأمد لأجل سرقة هذه المدينة من أبنائها''• وعلى صعيد الحرب الطاحنة الدائرة في اليمن، لا يجب صرف الجهد والانتباه بعيدا عن ازدياد حدة التوتر في منطقة الجزيرة العربية، بعد أن صعدت إيران من موقفها العدائي تجاه اليمن والسعودية ونظمت تظاهرات من عناصر البسيج الطلابية أمام السفارة اليمنية والسعودية في طهران، وقاموا بتوزيع بيانا أعلنوا فيه دعمهم للحوثيين وأطلقوا شعارات ضد المملكة، كما دعوا إلى طرد السفير اليمني والسعودي من إيران وطالبوا برد فعل على ما وصفه بمجازر ضد الشيعة في شمال اليمن، حيث وصف المسؤول في الباسيج الحرب في اليمن أنها ''الحرب بين الحق والباطل'' رافضا أن أحداث اليمن هي ''حرب داخلية، ومطالبا الرئيس الإيراني بالتحرك لدعم الحوثيين وهدد بتدمير سفارات عربية في طهران على رؤوس من فيها''• ويجري كل هذا في الوقت الذي تواصل قوات الدفاع الجوي الإيراني المرحلة الثانية من مناوراتها المسماة المدافعون عن سماء الولاية• كما لا يجب صرف النظر والانتباه بعيدا عن تجديد إيران مزاعمها حول الجزر الثلاث الإماراتية، حيث كرر المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، رامين مهمان برست، الادعاءات والافتراءات بحق إيران في الجزر الإماراتية العربية الثلاث تنب الكبرى وتنب الصغرى وبوموسى، معتبرا إياها بأنها إيرانية، ومزيفا للحقائق التاريخية قائلا: ''إن هذه الجزر وعلى مدى التاريخ كانت ومازالت جزءا لا يتجزأ من الأراضي الإيرانية''• وثقتنا أن الأمة العربية لن تخلو من علماء أجلاء وحكماء عقلاء يجمعون الشمل ويوحدون الصف ويسرون الصديق ويكيدون العدو• وكمثال على مبادرات علماء الأمة الأفاضل نجد دعوة السيد محمد ماضي أبو العزائم في بيانه الصادر على موقع الطريقة العزمية بمصر والعالم الإسلامي (إسلام وطن) إلى العمل على امتصاص الاحتقان بين الشعبين الشقيقين في مصر والجزائر، وإلى مقاطعة الجرائد القومية والمعارضة والمستقلة و القنوات الفضائية التى أججت نار الفتنة و شاركت فيها بشكل مباشر (المصرية والجزائرية) أول أيام عيد الأضحى المبارك العاشر من ذي الحجة 1430ه الموافق 27 نوفمبر 2009م، ولمدة يوم واحد• كما أن هناك الآن بريق أمل يبدو في الأفق لنزع فتيل الشقاق بين مصر والجزائر، فرغم تصريحات الدكتور هانى عزيز، وكيل لجنة الشؤون الخارجية بالحزب الوطني المصري، أن مصر ترفض أي وساطات عربية لرأب الصدع بينها وبين الجزائر، إلا أن الزعيم الليبي معمر القذافي قبل وبحكمته المعهودة طلبا من الجامعة العربية كي يهدئ الأجواء المتوترة بين مصر والجزائر، وذلك بعد أن اتصل الأمين العام للجامعة عمرو موسى به طالبا منه التدخل بوصفه رئيسا للاتحاد الإفريقي• ونعتقد أن المكانة الرفيعة والاحترام المتميز الذي يحظى به الزعيم الليبي لدى كل من مصر والجزائر خاصة، والدول الإفريقية عامة، سوف يمكنه من رأب الصدع وإعادة العلاقات بين الشقيقتين إلى ما كانت عليه، وحتى تتفرغ وتلتفت هذه الأمة إلى القضايا الحقيقة لا الوهمية، والحذر من الأعداء الحقيقيين لا المصطنعين الخياليين، وكي لا تستنزف الطاقات الشبابية للمواطن العربي في مهاترات رياضية ومشاحنات داخلية، في الوقت الذي نريدها لحماية حدود ومقدسات أمتنا العربية من أعدائنا سواء من الجهات الشرقية أوالغربية• نبيل عواد المزيني