تحت عنوان ''المباراة الحربية في أم درمان'' كتب السيد الصادق المهدي، رئيس وزراء السودان الأسبق، في جريدة ''البيان'' الإماراتية عن مباراة كرة القدم الأخيرة بين المنتخبين الوطنيين لمصر والجزائر التي أجريت في السودان في 18 نوفمبر الماضي، والتي يرى المهدي أنها من الممكن أن تهبط بالعلاقات بين البلدين الشقيقين إلى درك سحيق، إذا ترك الأمر للفعل ورد الفعل.. مستدركا الفرصة الكامنة في طيات تلك الأزمة لترميم العلاقات المصرية الجزائرية، والتركيز علي برنامج إصلاح سياسي وإعلامي، يكون هو الحاضن الصحي للنشاط الرياضي، يمنحه الاهتمام المطلوب ويبقيه في الحجم المشروع• يقول الكاتب: فجعت أمتنا بما جرى قبل وبعد مباراتي الفريق المصري والفريق الجزائري في القاهرة وفي أم درمان• فالفريقان ينتميان لبلدين هما في لب الحضارة الإسلامية العربية، وقلب الفضاء الإفريقي، وفي مكانة خاصة في النفوس.• فالأولى هي الشقيقة الكبرى، والثانية هي رمز النضال الوطني• ويستعين بأبيات شعرية لفاروق جويدة للتعبير عن تلك الفاجعة، تقول الأبيات : شهيد على صدر سيناء يبكي ويدعو شهيداً بقلب الجزائر إذا الفجر أصبح طيفا بعيداً تباع الدماء بسوق الحناجر لقد جمعتنا دماء القلوب فكيف افترقنا بهزل القدم؟ وينتقل المهدي الى أسباب ما حدث في أم درمان، يقول: مع اختلاف في حجم ونوع الأخطاء التي ساهمت في هذه المأساة، فقد كان بيانها: تحرش بعض الناس بالفريق الجزائري في القاهرة• أقدم بعض مشجعي الجزائر على التعدي على الفريق المصري وبعض مشجعيه في السودان• أحسنت السلطات السودانية في حفظ الأمن، ولكن الخطأ في الأمن الوقائي• ما كان ينبغي مع ما كان معلوما من غضب النفوس، أن يسمح بقدوم هذه الأعداد الكبيرة من المشجعين، بل كان ينبغي التحديد كألف لكل جانب دون زيادة• مشيرا إلى المشاكل المشتركة بين البشر في ظروف التنافس الرياضي، مستشهدا بدراسة أجريت في الولاياتالمتحدة في عام 1994م، أوضحت أن جمهور المشجعين لكرة القدم تحدث لهم في حالتي فوز أو هزيمة فرقهم، تغيرات فزيولوجية• وقد أجريت الدراسة على مشجعي البرازيل الفريق المنتصر وإيطاليا الفريق المهزوم، واتضح أن نسبة التستسترون، وهو هرمون الذكورة المسبب للمبادأة والإقدام والتعدي، ترتفع بنسبة %28 في حالة المشجعين المنتصرين، وتنخفض بنسبة %27 في حالة الآخرين• لذلك يحمل المنتصرون الرايات، ويغنون، ويرقصون، ويستهزئون بالآخرين ويحقرونهم• أما هؤلاء فيعبرون بوسائل حركية عن الإحباط والحزن• هذا الانفعال بكرة القدم بلغ أقصى حالاته في عام 1970م، عندما فازت هندوراس في ملعبها على السلفادور، واعتدت جماهير هندوراس على مشجعي السلفادور• بعد ذلك قدمت السلفادور شكوى رسمية للأمم المتحدة• وفي مباراة لاحقة فازت السلفادور وتأهلت لكأس العالم، ولكن مع نهاية المباراة كانت الدولتان قد نشرتا قواتهما على الحدود، وضربت طائرات هندوراس مدينة سان سلفادور• ولأن التنافس الرياضي، لا سيما في كرة القدم، يسبب ألوانا من الإثارة وبالتالي الإخلال بالأمن، وضعت السلطات المعنية ميثاقا رياضيا ونظاما محكما للفيفا، وهي ترتيبات ديمقراطية بامتياز، تحقق لكافة الفرق حقوقا متساوية، وتضمن حيدة التحكيم وديمقراطية الاتحادات الرياضية، وتوجب الالتزام بضوابط حازمة لسلوك الجمهور وكافة المشجعين•ومع ذلك فإن الانفلات يقع في كثير من البلدان• ويخلص الكاتب الى دروس مستفادة من المباريات المصرية الجزائرية: أولا: هنالك حساسية بين بعض البلدان العربية كسوريا ولبنان، والعراق والكويت، والمغرب والجزائر، ولكن لم تعهد حساسية بين مصر والجزائر، اللهم إلا تنافس عام على الصدارة العربية بين الشقيقة الكبرى، ورمز النضال الوطني• ثانيا: هنالك درجة من الكبت السياسي متفاوتة في البلدان العربية، تجد في الأنشطة الرياضية متنفسا، مما يضخم دورها لدى الشعوب فتهتم بنتائجها اهتماما مبالغا فيه• ثالثا: كلما توافرت الديمقراطية، كلما كان الإعلام أكثر صدقا في نقل الأخبار وأكثر موضوعية في التحليلات، والعكس بالعكس• فمع الاستبداد يتراجع الصدق في الأخبار، ويعتري التحليلات والتوجيهات تطبيل وتهويل• رابعاً: وحيثما يوجد إحباط بسبب الإخفاقات، وهي في بلداننا كثيرة وفي مجالات شتى، تنشأ الحاجة لعزاء أو تعويض عن الإخفاقات المثبطة للهمم• ويستشهد هنا بمقال من ''المصري اليوم'' كتبها سامي عبد الراضي بعنوان ''والنبي يا رب''! يسأل الله بحق النبي ''يا رب نحن شعب محتاج يفرح''• ومن هذا يخرج الاستنتاج بأنه لأسباب لا دخل لها بكرة القدم، اندلعت حرب باردة وأحيانا ساخنة، بين الأشقاء: بيانات أن الجزائريين يكرهون المصريين، بيانات أن المصريين يكرهون الجزائريين، هجوم على المصالح المصرية، وصف الجزائريين بالهمجية، وصف المصريين بالخيانة، هجوم بدني على المصريين، هجوم إعلامي متبادل اشترك فيه رسميون، اتخاذ إجراءات دبلوماسية مضادة، والتحضير لإجراءات أخرى عملية في طريق الانتقامات المتبادلة• ويرى في ذلك حالة مرضية تستدعي تحركاً علاجياً حازماً يسوقه في عدة نقاط: - على الجامعة العربية تعيين لجنة محايدة للتحقيق في الأحداث وتوثيق الحقائق، وإلزام من تثبت إدانتهم بالاعتراف والاعتذار والتعويض• - على الدبلوماسية المصرية والجزائرية التحرك المشترك لاحتواء الموقف وتطبيع العلاقات، فالدولتان لا تستغنيان عن بعضهما بعضاً• وأطالب الرئيسين حسنى مبارك وعبد العزيز بوتفليقة، بالأمر فوراً بمنع أجهزتهما الإعلامية الرسمية من أية مواد إعلامية تطلق أحكاماً مطلقة على المصريين أو الجزائريين، ومنع أية اعتداءات على الأشخاص والأملاك، وحصر التعليقات في مفردات ما حدث• ويتذكر أنه بعد خطاب الرئيس الأمريكي أوباما في القاهرة، اجتمع لفيف من رجال ونساء الدولة، والأكاديميين والمفكرين، ورأوا ضرورة تكوين منبر غير حكومي لتقييم خطابه ولإبلاغه ماذا نريد من بلاده؟ ويرى هذا المنبر مؤهلا لدراسة الحالة وتقديم توصيات محددة بالآتي: مشروع الإصلاح السياسي الذي يكفل الحريات ويفرج الاحتباس النفسي السياسي، بموجب برنامج إصلاح سياسي يتفق عليه بين الحكام ومعارضيهم• مشروع إصلاح إعلامي، يضع إدارة الإعلام تحت هيئة وطنية تمثل الرأي والرأي الآخر من حكام ومعارضين• مشروع تطوير للجامعة العربية يجعلها آلية حقيقية للإرادة العربية المشتركة•