أدلى الجميع بدلوه في المعركة الدائرة بين مصر والجزائر بسبب ''ماتش كورة''، ولن يقنعني أحد بأن الأمر تعدى مرحلة ''ماتش'' الكرة إلى ما هو أكثر من ذلك حتى لو أقسموا على ذلك•• دخل الفنانون ''بثقلهم'' في عبث وصخب التصريحات والصراخ والعويل على الكرامة التي انتهكت من قبل الجزائريين•• لم نسمع لكل هؤلاء الفنانين حسًّا في أي شأن داخلي تنتهك فيه كرامة المصريين على ''عينك يا تاجر''•• هنا داخل أراضيهم وعلى مسمع ومرأى من الجميع داخل حدودنا المصرية•• عموما لن أزايد على الفنانين المصريين الذين بالتأكيد انفعل بعضهم بصدق، بينما ركب بعضهم الموجة مدّعيا حبه لمصر أكثر من باقي أقرانه من الفنانين ومن المصريين عموما•• ولن ألومهم في موقفهم في هذه الأزمة حتى لو كنت ضد أن يخرج فنان عن حدود آداب الحديث وهو يقول على شاشة التلفزيون الرسمي ''البيت بيتك'': ''أبو كّاكّا'' قاصدا أحد الجزائريين -عفوا على كتابتي للكلمة- بينما يضحك المذيعان، ولن ألوم ممثلا آخر قال: ''دي ناس زبالة''، ثم انفعل أكثر وقال: ''أنا لو أطلقت اللمبي هاروح لهم ملط''، فيما خرجت ممثلة أخرى وقالت إن الجزائريين يعملون ''قوادين وعاهرات في باريس''، ولكني فقط سألوم عقلاء الفنانين ومثقفيهم الذين انساقوا وراء موجة الكراهية وحرب الكلام التي أخرجت أسوأ ما فينا•• سألوم الفنانين الذين من المفترض أن يترفّعوا جميعا عن كل هذه المهاترات والترّهات ويقفوا بوعيهم بعيدا، كي لا ينسحبوا مع موجة الغضب التي سنندم جميعا عليها تجاه شعب عربي ساهم إعلامه في قذفنا بأقذع الصفات، ولم يقف إعلامنا بدوره صامتا، فأطلق عليهم الفنانين وغيرهم ليصور الجزائريين - كل الجزائريين - على أنهم مجرد حفنة من المجرمين والشياطين•• تبادل الجميع السُّباب والمعايرات والبذاءات والقبح على الملأ من جانبنا ومن جانبهم• عموما•• إذا كان للفنانين المصريين عذر في انفعالهم تجاه ما حدث لأبناء بلدهم في الخرطوم، فلا عذر للفنانين العرب الذين رمى كل منهم بياضه في نفاق ممجوج ومكشوف• فها هي نانسي عجرم تصرح بأنه لا يهمها الغناء في الجزائر لأن لها جمهوراً في الوطن العربي كله•• في مصر ولبنان والخليج، وشاركتها مواطنتها هيفاء وهبي نفس الشعور ونفس التصريح، ولا أدري كيف سيكون موقف الاثنتين إذا لعبت مصر مع الكويت التي تقيم مهرجان ''هلا فبراير'' سنويا، أو مع قطر التي تقيم مهرجان ''الدوحة'' الغنائي، أو أي دولة من دول الخليج، حيث الحفلات الخاصة الحافلة بما لذّ وطاب من الهدايا•• لم يكن مطلوبا من هيفاء أو نانسي أي تصريح في شأن مصري - جزائري، ولكنهما قرّرتا تشجيع البلد الأكثر جمهورا، هكذا دون أي نية أخرى• فالجمهور الجزائري غير مهم بالنسبة لهما أو بمعنى أدق غير مؤثر لا في الحفلات ولا في المهرجانات الغنائية ولا في الجمهور• موقف هيفاء ونانسي غريب، ولكن الأغرب كان موقف الفنان جزائري الأصل مصري الجنسية أحمد مكي، والذي كان له موقف محترم قبل المباراة بين مصر والجزائر عندما ألّف وغنى أغنية بعنوان ''فوقوا'' موجهها للجزائريين والمصريين ضاربا بها أعظم مثل لدور الفنان في التهدئة بين بلدين أصيبا بلوثة كرة القدم، لكنه خرج عن حياده تماما وقرر أن يهاجم الجزائر حكومة وشعبا•• قرر أن يهاجم البلد الذي ما زال يحمل جنسيته، فقط لأن مصر التي يعيش ويأكل عيشه فيها لديه مشكلة مع الجزائر التي لا يعيش ولا يأكل عيشه فيها•• تذكّر أنه يجب أن يركب الموجة بدلا من أن تسحقه سهام الكراهية من الجانبين، وفورا اختار أن ينحاز للجانب الأقوى ''جماهيريا''•• اختار أن ينحاز للمصريين•• حسنا فعل بمنطق المصلحة، ولكنه نسي أمرا مهما•• فالمصريون ما زالوا يؤمنون بمثل: ''اللي مالوش خير في أهله•• مالوش خير في حد''• أحمد مكي جزائري الأب مصري الجنسية لأن أمه مصرية- بعد قانون الجنسية الجديد- خرج علينا في برنامجين -متتاليين ''البيت بيتك''، وبرنامج خالد الغندور الرياضي على قناة دريم- ليرمي ''بياضه'' علينا و''ينقّط'' بما هداه إليه ضميره، فقال وكأنه لا يمت بصلة إلى الجزائر متنصلا منها ومن جنسيته غير عابئ بمشاعر والده ووالدته التي تزوّجت من جزائري ربما عاشت معه حياة كريمة لم يهنها فيها ولم يذلها•• قال لا فضّ فوه، ولم يكن مطلوبا منه أن يقول: ''قبل ماتش مصر والجزائر حاولت أبقى محايدا علشان ماعملش ولا 1 بالمئة من الفتنة بين البلدين، رغم أن جنسيتي مصري وطول عمري متربي في مصر•• الحقيقة بعد الإهانة والغدر اللي شافوه ناسي•• أنا في حالة من القرف والنكد مش عارف أنام ولا عارف أمارس حياتي طبيعي•• اللي مضايقني إن الجزائر معملتش أي اعتذار حتى الآن''• ما الذي يدفع فناناً المفترض- أن يعلو على كل هذه الترّهات- أن يدخل في معمعتها ويتنكّر في طريقه لجنسية والده؟ سحقا للإعلام الذي يدفع إنسانا لمعاداة أهله وناسه بهذا الشكل بعد شحن لا تحتمله طاقة بشر•• هو معذور لأن الشحن الإعلامي العبثي جعل الجميع يزايد على الجميع، وسحقا للمصالح التي تذل الإنسان إلى الدرجة التي ينفي فيها عن نفسه جنسية كان يحملها ويفخر بها• وبعد•• كيف لا نحترم الشاب خالد ووردة ''الجزائرية'' لأنهما قالا بمنتهى الصدق والاحترام أنهما سيشجعان فريق بلدهما الذي عاشا وتربيا في كنفه، ولهما فيه أهل وأشقاء وأولاد عمومة، حتى وإن كانت وردة نفسها قد ذاقت طعم نجاحها وتألقها في مصر؟!• هل نعايرها لأننا فتحنا لها أبواب قلوبنا؟•• ألسنا نحن هوليوود الشرق التي تحتضن كل موهبة أصيلة؟! هذه امرأة جديرة بالاحترام وإن اختلفنا وعادينا وخاصمنا بلدها كله• حقا أنا أحترم وردة الجزائرية جدا ولن أكرهها بسبب ''ماتش كورة''، وأخيرا أنا أحترم كثيرا وبشدة من اتبع قول الرسول الكريم: ''فليقل خيرا أو ليصمت''، ويا ليت أحمد مكي صمت• ملحوظة: قررت الفنانة المنتجة إسعاد يونس مقاطعة كل ما هو جزائري•• فهل ستقاطع أحمد مكي الذي وقّعت معه عقد احتكار، أم أنها ستشترط أن يسقط عن نفسه الجنسية الجزائرية، فهو للعلم ما زال حاملا لها؟!