قرأت رسالة المجاهدة الكبيرة جميلة بوحيرد وحمدت الله أن كربتها فرجت، وإن كانت المرارة التي خلفتها رسالتها الأولى مازالت لم تزل بعد من حلق الكثيرين منا··· الحديث عن جميلة قادني إلى التفكير في شخصية ثورية أخرى، وهو مسؤولها في الثورة ''المجاهد'' ياسف سعدي، بطل معركة القصبة، الذي نزل ضيفا منذ أيام على جامعة الثامن ماي 1945 بدعوة من الجامعة لإلقاء محاضرة تاريخية حول مظاهرات 11 ديسمبر ··
إلى هنا الخبر عادي، ومن غير ياسف سعدي يمكنه الحديث في الثورة وأحداثها وخفاياها وحقيقتها؟ فهو بطل القصبة المعتز بتاريخه وبطولته إلى حد أنه سارع لشراء ملفه التاريخي من أرشيف نانتير بالعملة الصعبة!
لكن الرجل التاريخي بخل على طلبة جامعة فالمة التاريخية بمحاضرة حول حدث تاريخي، بل وبخل عليهم لقاء رجل في حجم ياسف سعدي والسبب أن الرجل الثوري الذي أدى واجبه الوطني في أزقة القصبة ومخابئها، تعوّد نعيم الفنادق الفخمة في باريس وواشنطن ولم تعجبه الإقامة التي اختارتها جامعة فالمة له وهي فندق حمام أولاد علي، وربما كانوا يريدون أن يعرفوه على جهات من أرض الجزائر الطيبة التي دارت فوقها معارك حقيقية، لكنها لم تذكرها أقاصيص الثورة ولم تحتفظ ذاكرتنا التاريخية بأسمائهم·
فمن يذكر اسم الشهيد الذي أسقط طائرة الجنرال جان بيار في أعالي جبال دباغ؟ لكن ياسف سعدي الذي لم يتعود على الجبال والأحراش مثلما هو حال ثوار فالمة المساكين، غضب أشد الغضب، وقال لمضيفيه إنهم أسكنوه في ''فربي''، فغلق هاتفه النقال وركب سيارة أجرة ودخل على عجل إلى العاصمة···
لا أدري فيمن العيب، هل في المشرفين على الجامعة الذين رشحوا ياسف سعدي للحديث عن مظاهرات لم يكن أحد أبطالها؟ أم في ياسف سعدي الذي دللته جزائر الاستقلال، فأنساه نعيمها خشونة الثوار وتواضعهم، فلم يقبل بالمبيت في فندق بسيط، أم ربما إنه استحى من نفسه لما شاهد وعورة المنطقة وظروف سكانها القاسية، مع أنها كانت من بين أكثر المناطق تضررا وأعطت نصيبا أكبر من الشهداء ومع ذلك مازالت مثلما تركتها فرنسا بلا فندق كبير يليق باستقبال رجل كبير مثل ياسف سعدي، هل العيب عيب في المدينة، أم عيب في الرجل؟
جميلة لما رفضت أن تسكن فندق من الدرجة صفر الذي اختاره لها سفيرنا بباريس، ذلك لأن الفندق في فرنسا ولم يكن الفندق في حمام دباغ أو في مرمورة التاريخية لما رفضت أكيدا ذلك والفاهم يفهم···