كشف اللواء المتقاعد خالد نزار، قائد الأركان ووزير الدفاع السابق وقائد اللواء الثاني الجزائري المحمول في حرب الاستنزاف، كشف عمّا أسماه ''مناورات مصرية تخفي وراءها نوايا مبيّتة''، وتحدث في كتابه الذي سيوقّعه غدا والصادر عن منشورات ''ألفا''، عن طبع مصري مليء بضغينة العداوة والغدر، اقترب منه أثناء مشاركته في حرب الاستنزاف على خط النار الإسرائيلي، مع نهاية الستينيات وبداية السبعينيات ·· ''الفجر''، حاورت المؤلّف - ضمنيا - قبل توقيع الكتاب، وقرأت لكم أهم التفاصيل·· المصريون وصفونا بالمتوحشين وأهانوا توابيت شهدائنا في حرب الاستنزاف الجندي المصري كان يفرّ متخاذلا من ساحة المعركة أمام دهشة الفلسطينيين والسودانيين إصدار كتاب يتحدث عن بعض الزوايا المعتمة في مشهد العلاقات الجزائرية المصرية، قبل وأثناء حرب الاستنزاف (نهاية الستينيات وبداية السبعينيات)، في مثل هذه الفترة الزمنيّة المعقدة، سياسيا وشعبيا بين الجزائر ومصر - بعد مباراة أم درمان - يفتح الكثير من علامات الاستفهام، ويدفع القارئ إلى إطلاق حكم مسبق على موضوعيّة مؤلف الكتاب؟ هل تعتقد أن خالد نزار أوغل في تسليط الضوء على الوجه المصري المعتم في علاقته مع الجزائر خلال تلك الفترة الزمنية المضطربة من تاريخ البلدين والمنطقة العربية ؟ حسنٌ لقد ''··سألني أصدقائي ممن اطلعوا على المخطوط قبل صدوره إن لم أبالغ في وصف بعض الأحداث، لهذا أود أن أوضح للقراء أن كل ما أوردته في الكتاب، ليس إلا الحقيقة دون أي تزييف، بدليل أن هذه المعلومات يؤكدها الفريق سعد الدين الشاذلي، رئيس أركان الجيش المصري، من جهة، وبيني موريس في كتابه ''العودة إلى تاريخ الحرب العربية الصهيونية'' من جهة أخرى، اعتمد هذا الأخير على بحوث قامت بها جامعة بن غوريون ومعهد ترومان من جامعة القدس ومؤسسة روكفلر وجامعة نجيف في بئر السبع، ومستقاة من أرشيف الدفاع التابعة للقوات الإسرائيلية والدفاع الوطني ومراجع أخرى''·· ص86 ذكرت مع بداية الكتاب، بأنه وطوال تواجد الوحدات العسكرية في مصر، بين الفترتين الممتدتين بين 1967 -1971- 1973 - ,1975 كانت المصاريف على عاتق الحكومة الجزائرية، ونحن نعلم بأن المساعدة المالية التي قدمتها الجزائر في شكل هبة لمصر قد فاقت 300 مليون دولار، استناداً إلى ما صرّح به في كتابة ''عبور القناة''، الفريق سعد الدين الشاذلي، قائد الأركان العامة للقوات المصرية، ما هي الأرقام الحقيقية لحجم المساعدات الجزائرية لمصر في حرب الاستنزاف؟ بالتأكيد فقد ''كانت الأولوية تتوفر على متصرف مالي، وكان يتم تزويد الحساب الجاري المفتوح في بنك مصري من الجزائر· في الحقيقة، كانت وحداتنا تتمتع بالاستقلالية التامة على مدى فترة تواجدها في مصر، أي ثمان سنوات''·· ص42 ·· وقد بلغت الوسائل البشرية التي سخرتها الجزائر في مصر خلال الفترة المذكورة ما يفوق 000,20 مقاتل استشهد منهم 117 شهيدا، أما الوسائل المادية التي كانت مهداة ''أي دون مقابل'' فكانت على النحو التالي: الطائرات الحربية 95: (ميغ ,21 ميغ,17 سوخوي 7 ب، إليوشين 28)، الدبابات: ,190 المدرعات: ,150 المدفعية: 80 ، العربات رباعية الدفع: ,250 شاحنات صهاريج نصف مقطورة: 40 ، وإضافة إلى المساعدة المالية التي قدمتها الجزائر في شكل هبة لمصر والتي فاقت 300 مليون دولار، قدّم الرئيس بومدين صكا على بياض لعبد الناصر· والحقيقة أن هذه الأرقام أقل مما تم إنفاقه· وللتحقق من ذلك يمكنكم العودة إلى أرشيف وزارة المالية الجزائرية· مصاريف كبيرة من دولة استفاقت لتوّها من دوخة استعمار، هل لك أن تقرب لنا صورة الوضع العام لجيش جزائري خارج لتوّه من حرب مثقلة بالخسائر مع المستعمر الفرنسي، وكيف انسجم الرأيان السياسي والعسكري مع فكرة المشاركة في حرب قومية أخرى كان ظاهرا أنها ستكون هي الأخرى ''حرب استنزاف''؟ ''·· لقد تميزت هندسة المؤسسة العسكرية عبر نصوصها الأساسية بهاجس إنقاذ أو إدامة امتيازات المرحلة الراهنة، أو ضمان هيمنة توجه إيديولوجي على غيره، وهذا كله كان يتم عن طريق التسابق بين القوى الموجودة على أرض الواقع· لقد كان الجيش يُستغل في أغلب الأحيان من أجل ثقله ورمزيته، وهو ما جعل المزاوجة بين الحزب والجيش تشكل دائما شراكة تتحكم بمصير البلاد، وكانت طريقة التسيير هذه تحظى بمساندة رئيس الجمهورية هواري بومدين الذي كان في الوقت ذاته وزيراً للدفاع، بعد محاولة الانقلاب المجهضة في عام ,1967 وهذا المفهوم نفسه برز إلى الوجود أيضا بفعل إن أوامره كانت تأتي من الجيش الشعبي الوطني بدافع العاطفة أكثر من دافع المهنة··'' ص25 تحدثت عن سياسة عسكريّة جزائرية تتعامل بدافع العاطفة أكثر من دافع المهنة، في الوقت الذي ذكرت فيه في الصفحة 38 من كتابك بأن سوء التفاهم ظلّ يطبع العلاقات بين مصر والجزائر منذ حرب التحرير، فكيف تم التوفيق بين تحفّظ العداوة وانطلاق العاطفة؟ صحيح ''·· ظل سوء التفاهم يطبع العلاقات بين مصر والجزائر منذ حرب التحرير إثر تدخلات فتحي الذيب السافرة في شؤون لجزائر الداخلية ومناوراته الكثيرة، وكان سوء التفاهم أيضا ناتجا عن المحاولات الاستفزازية المصرية أثناء العملية التصحيحية 19 جوان 1965 وكذلك أثناء تفكيك مستودعاتنا من الذخائر التي تعود إلى زمن حرب التحرير، كان رد الفعل الوحيد للرئيس بومدين في عام 1971 أن عقد اجتماعا لمسؤولي الفرق التي ذهبت إلى مصر مكلفة بإحصاء عدد الشهداء وكانوا بضعة عشرات لأن الجزائر دفعت ثمناً غالياً من أجل أن تعتز بماضيها العربي··'' ص 38 تحدثت في أغلب صفحات الكتاب عن علاقة سيئة تطوّرت بين البعثة العسكرية الجزائرية، وبين القادة العسكريين المصريين، ولم تستثن سوى العميد مصطفى شاهين، هل يمكن اعتبار هذا التشنّج في التقارب بين أفراد المعسكر الحربي الواحد، طبعًا جزائريا أم غرورا مصريا؟ ''·· كانت علاقتي بكثير من الضبّاط المصريين محصورة في ميدان العمل، وكنت أتفاجأ أثناء زيارتي للجبهة مرة بعد أخرى من سلوك الجيش المصري، لقد كانوا يصرخون كلما أبصرونا- وكنا معروفين ببدلاتنا ذات اللون الأخضر الذي يشبه الزيتون:''تشربوا حاجة؟'' كان المصريون يقومون بهذا التصرف تلقائيا حتى في حالة العوز، وبعد مرور فترة طويلة ونظرا لما نلناه منهم من متاعب جّمة، فهمنا في آخر المطاف؛ بأن كل هذه العبارات التي كان يبدو عليها اللطف، إنما كانت تخفي في طيّاتها الطابع الحقيقي للمصريين المليء بضغينة العداوة والغدر'' ··ص 49 هل نفهم من كلامك بأن أفراد الفيالق العسكرية الجزائرية، كانوا منعزلين عن نظرائهم المصريين، خصوصا ما تعلّق بهوامش الحياة المدنيّة؟ ''··لم نكن نرى بعضنا كثيراً لأننا كنا نتسلم وجباتنا بسرعة، أما في المساء بعد العشاء، فقد كنا نجلس لفترة أطول معاً، نشاهد التلفاز أو نلعب الورق··· في إحدى الأمسيات التي كنا نقضي أوقات فراغنا بلعب الورق فيها، كان الملازم الأول الطبيب فاروق يحدق فينا دون توقف وهو منزوِ، ثم قال :'' يا أخ خالد أنا أتابعك منذ أيام ولم أر شيئاً مما حكاه زملائي في السويس'' وتساءلت مستغرباً في قرارة نفسي عمّا يمكن أن يخبره زملاؤه عني وهو لا يوافقهم عليه···علمت فيما بعد أنه عندما ذهب الطبيب فاروق ليودع زملاءه قبل الالتحاق باللواء الجزائري تفاجأ لسماعه هذه الملاحظة المزدرية والجارحة حيال الجزائريين:'' ابق معنا بعضة أيام أخر، فماذا عساك تفعل وسط هؤلاء المتوحشين (يقصدون الجزائريين)''··ص58 متوحشين ؟؟! هل كان سلوككم مع المصريين عدائيا إلى درجة أنهم كانوا يصفونكم بالمتوحشين ؟؟ أم أن لغة التواصل بينكم كانت عقيمة استنادا لما ذكرته في بعض فقرات الكتاب، خصوصا ما تعلّق بحديثكم باللغة الفرنسيّة التي لا يفهمها المصريون - في الغالب -؟ إطلاقا، والأمثلة على ذلك كثيرة ''·· أسندنا في يوم من الأيام إلى الملازم الأول فاروق مهمة مرافقة تابوت إلى القاهرة لنقله صوب الجزائر، وظننا أنه قد يتدخل لصالحنا مع زملائه لتجنب معاملة توابيت موتانا كما تعامل أي أمتعة مبتذلة وأمام مرأى من الجميع، وهو ما كان يحدث غالباً، ولكن للأسف لم يفعل ذلك، وبقيت السلطات المصرية تفرض علينا إلى النهاية هذه الطريقة غير المحترمة ولا اللائقة في نقل موتانا الذين لهم علينا واجب التوقير والإجلال·''· ص58 بعيدا عن سماجة التعامل المصري - في عمومه كما ذكرتم -، كيف كان أداء الجنود الجزائريين، في ساحات المعارك على خطّ النار، مع العدو الصهيوني؟ كان استثنائيا بشهادة الجميع ''··وما زاد إعجابي بهذه الشجاعة والرزانة لدى الجنود الجزائريين، هو ما تعودنا على رؤيته في معسكري ''معسكر'' و''الأبيض''، في الوقت الذي كانت فيه جحافل الجنود المصريين تلوذ بالفرار وهم يتشبثون في سفح جبل ''شبراويط'' كلما أغار عليهم الجيش الإسرائيلي مستعملاً الخط الفاصل بين الجيشين المصريين الثاني والثالث· كانت هذه الفوضى تتكرّر دون أن يأمر القادة العسكريون المصريون رجالهم بالامتثال لأدنى شروط تصرف الجندي في ميدان القتال، وكان سكان ''فايد'' المحاذية والجنود الفلسطينيون والسودانيون، يشاهدون هذا الموقف المتخاذل بمرارة''·· ص73 كشفت في الصفحة 76 من الكتاب، عن تقنية حربية ابتدعها الجزائريون في حرب الاستنزاف، وتبنّاها المصريون بعد ذلك، هل لك كان توضّح لنا ماهيتها أكثر ؟ هي تقنية بسيطة وعملية ''··لم يكن من المطلوب فيها سوى حفر حفرة في الأرض على شكل عنق قارورة تضيق في البداية ثم تتسع في الداخل، وتكون الحفرة بطول الرجل بحيث تمكّنه من الانزلاق فيها، وكانت هذه الحفر تحافظ على سلامة الجنود ضد كل أنواع القصف وخاصة القصف الجوي، كما تمكّن الجنود من الرمي مع البقاء في مكان آمن· وأعجب العميد مصطفى شاهين بطريقة الحماية هذه إلى درجة أنه سلّمني أياما بعد ذلك كراسة تحتوي على شروحات ومخططات للتموضع الذي أطلقوا عليه ''النموذج الجزائري للتموضع الفردي في الرمي'' لقد قام الجيش المصري رسميا بتبني هذه التقنية·''· ص76 هل تعتقد أن العقلية التنفيذية للقادة العسكريين المصريين، كانت منسجمة مع عقلية النموذج الناصري آنذاك؟ وهل كانت القيادة المصرية ممثلة في ''جمال عبد الناصر'' على علم كامل بما كان يجري على خطّ النار؟ هذه القصة ستعطيكم مقاربة للوضع العام آنذاك ''·· دُعينا لمشاهدة مناورة تجري في سيناء، بالقرب من مدينة العريش، شارك فيها اللواء عبد الحكيم عامر، نائب الرئيس ووزير الدفاع المصري وألقى كلمة في ختام العملية بثت على الإذاعة، كان عرضا ضخماً أصيبت أهداف الدبابات كلها بحيث يتصاعد منها في كل مرة نار ودخان· المستندات النارية، سواء كانت مدفعية أو جوية، كانت تتقدم كما لو أنها فوق حقول الرماية، وكانت تحركات القوات الأخرى تتم كما لو أنها في استعراض، كل ذلك كان يملأ الجمهور اعتزازاً واطمئناناً· عند عودتي إلى الجزائر، رددت لمن في محيطي بأن المصريين كانوا الأقوى وأنهم، في حال نشوب نزاع، سوف ينتصرون بلا أدنى شك· كنت ناشئا في هذا المجال، وكنت مليئاً بالحماسة، وكان إيماني أن نهاية إسرائيل محتومة، وكان المصريون يرددون بقولهم ''شربة مية'' من فرط ثقتهم في أنفسهم، كم كنت مخطئاً لأني سرعان ما اكتشفت بأن المصريين اعتادوا تزييف الحقائق والمبالغة؛ مما يعطي انطباعاً خاطئا عن جيشهم· عرفت فيما بعد بأن - ما رأيته في مصر - ما كان في الأخير سوى مسرحية هزيلة·· المصريون كانوا قد أخفوا براميل من الوقود خلف الدبابات وجميع الرميات كانت محددة ومهيأة سلفاً· وراء كل هذا السيرك كان هناك هدف واحد: كسب رضا القائد ''·· ص 32 ''لم يكن غريباً أن يكون السوفييت قد نقلوا مثل تلك الأساليب التمثيلية للمصريين بالقدر الذي يشتهيه المصريون ويملأ لهم عيونهم''·· هذا ما ذكرته في فقرة من الصفحة ,33 فهل كان للسوفييت يد غير مباشرة في نكسات الحروب المتعاقبة للعرب ضد إسرائيل، لمجرد أنهم لقّنوا للقادة المصريين أسلوبا تمثيليا؟ لم تكن تلك الحادثة استثناء على كلّ ''رأينا تمثيلية أخرى، تتمثل في نشر وحدة مكافحة الغازات، حيث يتحرك الجنود شبه عراة تحت بالوعات ''من الماء الساخن''، هل كان في نيتهم أن يدفعوا بالسيناريو أبعد من ذلك؟ يجب الإشارة إلى أنه كان بجانب المصريين آنذاك مدربون سوفييت لم يكن هدفهم نقل التكنولوجيا، بقدر ما كان للإبقاء على نظام يسعى أولا وقبل كل شيء لتمديد بقائه على الأرض وأيضا لبيع تجهيزاتهم''·· ص 31 -32 قائد الأركان ووزير الدفاع السابق وقائد اللواء الثاني الجزائري المحمول في حرب الاستنزاف، خالد نزار، ببساطة، لماذا هذا الكتاب؟ إذا ما تحدثنا عن الأحداث التي أعقبت لقاء كرة القدم الذي جمع بين الجزائر ومصر في الآونة الأخيرة، فإن ما حدث لا يمكن أن يفسر إلا بالسعي المستميت لمصر وراء التربع على عرش العالم العربي؛ بل والإسلامي، كرائد دون منازع وأن التحليل (الذي جاء في الكتاب) يميط اللثام على مناورات مصرية تخفي وراءها نوايا مبيّتة·