رغم أن الصناعات التقليدية بدأت في الإندثار والزوال بمنطقة الجنوب، نتيجة دخول الحضارة والتقدم على جل الأنشطة والصناعات المحلية، إلا أن بعض السكان الأصليين وأهالي القرى النائية لازالوا متمسكين بصناعة الأجداد أملا في إبقاء لمسة منطقة الصحراء على أيادي أبنائهم من سكان الجنوب لإبقاء حلقة التواصل بين الأجيال والحفاظ عن مهنة المنطقة التي توارثوها أبا عن جد منذ القدم. في هذا الإطار كانت لنا جولة لإحدى البلديات النائية بولاية الوادي، أين وجدنا امرأة استطاعت بحنكتها تحويل سعف النّخيل إلى عدة مصنوعات تقليدية منها الأواني والتحف والحقائب النادرة، متحدّية بذلك الطبيعة القاسية، وشقت الطريق نحو الإبقاء على التراث الصحراوي القديم في وجه الصناعات المحلية في عالم زحفت فيه التقنية عن جميع مناحي الحياة. عمتي بن ياية رقية من مواليد مدينة سيدي عمران، إحدى بلديات دائرة جامعة تقع على بعد 170 كلم شمال غرب ولاية الوادي، هي في الخمسين ربيعا من عمرها تحول سعف النخيل إلى أواني منزلية وأدوات تقليدية. وفي حديثنا معها صرحت بأن هذه الحرفة ورثتها من أجدادها القدامى ولكنها طورت صناعتها وأبدعت أناملها الذهبية، فطوعت سعف النخيل إلى أواني جميلة وفسيفساء نادرة. وجمعت في معرضها طيلة الثلاثة أيام الخاصة بإحياء الفنون والتقاليد الشعبية لمنطقة وادي ريغ العديد من الأواني والتحف الفنية السعفية، منها (الفلو) وهي حقيبة لوضع الملابس، و(المكب) وهي عبارة عن آنية لتغطية المأكولات، و(المثرد ) يوضع فيه كل من الكسرة أوالخبز والتمر والمأكولات الجافة، بالإضافة إلى (السجادة) و(الطبق) و(القفة). والشيء الملفت للإنتباه أواني تستعمل في الزينة والعرض مثل (الإبريق السعفي) وهو عبارة عن طاقم من الأواني المصنوعة بسعف نخيل دفلة نور، ومن بين الأشياء الجميلة (سلة العروس) التي جمعت بين العادات والتقاليد. وفي أركان هذا المعرض جزء تميزت صناعاته بوضع الألوان الزرقاء والخضراء والأحمر، حيث تستعمل فيها بن باية رقية مادة (الدندانية ) للحصول على سعف مصبوغ بالألوان الثلاثة الباهية، والمدرجة بخيوط الصوف المتجانسة للحصول على أواني أكثر جمالا وأبهى صورة ومنظرا. وأثناء الحوار معها طلبت وبكل تواضع وحياء أن تؤخذ أعمالها بعين الإعتبار والاهتمام من طرف المسؤولين المحليين والوطنيين، لأنها لم تستفد من دعم يتيح لها فرصة توسيع هذا الموروث الثقافي الأصيل. وعن طموحاتها صرحت لنا أنها تأمل في فتح ورشة لتعليم هذه الصناعة وهذه الحرفة للأجيال، حتى يحافظوا على الفن الإبداعي في منطقتي وادي سوف ووادي ريغ.