يتدافع صوب السيارات الواقفة عند إشارات المرور الضوئية خاصة أوبالطرق السريعة في جميع أنحاء ولاية أم البواقي، مجموعة من البائعين المتجولين في الشوارع لعرض بضائع وحاجيات مختلفة.. هذه الظاهرة المنتشرة على نطاق واسع تفاقمت في الآونة الأخيرة في مدن وقرى ولاية أم البواقي، وهي ظاهرة لم تعد تقتصر على سلع ومواد معينة الملاحظ أنّ ظاهرة البيع في الطرقات امتدت لتشمل المرطبات المختلفة والحلوى والسجائر والورود والخضر والفواكه الموسمية وشرائط غنائية جزائرية، لاسيما تلك التي تتغنى بالفريق الوطني لكرة القدم وأشياء أخرى، ربما لا يتخيل المرء أنها تباع عند إشارات المرور أو في الطرق السريعة والأزقة في أم البواقي. قامت “الفجر” بجولة ميدانية قضت فيها يومًا كاملا تراقب عن كثب هؤلاء البائعين المتجولين الذين يبحثون عن لقمة عيشهم، رغم المخاطر الكثيرة التي تترصدهم عبر الطرقات السريعة. مع هؤلاء البائعين ينقضي اليوم ليلاً ونهاراً وطقسه المتقلب، سواء في الشتاء البارد أوالصيف الحار خلال مواسم الأمطار أو تحت حرارة الشمس اللافحة، ويلجأ المحتاجون إلى إشارات المرور لبيع تلك المواد لساعات طويلة.. والمكسب في نهاية اليوم مبلغ زهيد ومتواضع لا يستحق كل هذا التعب وهذه المشقة وهذه الأخطار. البائعون المتجولون: “ في أوقات نحصل على مصاريف وفي أخرى لا نحصل على شيء” يقول البائع (أمين. ك)، طفل في ال14 سنة من العمر، إن حصولهم على مردود مادي يعد نسبيا “يوما نحصل على مصاريف وفي بعض الأيام لا نحصل على شيء”، وأضاف بائع آخر أنهم في بعض الأوقات يحصلون على بعض الدنانير وفي بعضها لا يحصلون على مكسب، وأحيانا لا يعملون أصلا. ويشير بائع متجول آخر: “ لا ندري على ماذا نقسم هذا المكسب.. هل للإيجار أم للماء والكهرباء، أوملابس وغذاء للأطفال. حتى النساء والأطفال.. في الشوارع يختلف البائعون المتجولون على تقاطعات المرور والأرصفة وعلى ممرّات الشوارع، فمنهم الرجال من الشباب وصغار السن ،وهم النسبة الأعلى للبائعين المتجولين في أنحاء ولاية أم البواقي، ولكن النساء كذلك موجودات.. والسبب الرئيسي الذي يدفع الجميع لهذه الأعمال هي الأوضاع المعيشية والاقتصادية الصعبة، والأمية المتفشية بشكل كبر في هذه الولاية. وعلى أحد ممرات الشارع، شاهدنا سيدة تجلس على رصيف تحاول ترغيب المشترين بشراء بضاعتها التي تقوم بعرضها على المارة، وهي كمية من “المحاجب” - أو كسرة الشحمة بالمفهوم المحلي- في أحد الأسواق المحلية الفوضوية بعين الفكرون لكي تحقق ربحاً ومكسباً يسد رمق أولادها وأسرتها في هذه الحالة الصعبة التي تشهدها الولاية. وقالت السيدة الأرملة التي تبلغ من العمر45 عاماً: “معي كمية من المحاجب أقوم ببيعها في هذا المكان، وأنا التي أقوم بصنع هذه الأكلة الشعبية المشهورة بيدي وأبيعها وأحصل على المال”. عند سؤالي لها عن المال أين تدخره؟ أجابت: “ليس لدينا أموال كثيرة حتى أوفرها أوأضعها في البنك، ولكن ما أقوم ببيعه من المحاجب أشتري بثمنه حاجيات لأولادي لأسد رمق جوعهم ومطالبهم، وهكذا هي حياتنا معشر الفقراء بسبب الحاجة والفقر وأحياناً أخرى لعدم الرغبة في إكمال الدراسة.. معظم البائعين توقفوا عن دراستهم والبعض يحاول التوفيق بين البيع والدراسة”.. تقول المتحدثة. البائع توفيق، من سوق نعمان، ومعه مجموعة قليلة من البائعين، يقولون: “نحن ندرس ونشتغل”، بينما البائع خالد من سي?وس يفيد: “درست إلى السنة الأولى متوسط وتوقفت عن الدراسة مضطرًا”. أعداد الأطفال العاملين عند أعمدة إشارات المرور والأرصفة والشوارع لافتة للأنظار، وأطفال ولاية أم البواقي كغيرهم يعانون واقعاً بائساً بداخله مصفوفة من المشاكل المفروضة عليهم تبدأ بالتسرب من الصفوف الدراسية الأولى، مروراً بالانخراط المبكر جدًا في سوق العمل.