لا يذكر الجيل الجديد ذلك الصوت الوهراني الملائكي الذي أمتع الجمهور الجزائري سنوات الثمانينيات، بأجمل الأغاني الراقية.. والسبب غياب طويل تؤكد جهيدة أن مرده غياب الجو الفني العام وليس غيابها.. صاحبة أغنية ”يا سارق قلبي” تفتح قلبها في هذه الجلسة الحميمية وتحكي بصدق عن مواجع الفنان الملتزم في الجزائر سمير صبري استغلني أربع سنوات و”أكل عرقي” جهيدة أين أنت؟؟ لا نكاد نسمع لك جديداً، وربما الجيل الجديد لا يعرفك على الإطلاق؟ أنا هنا بين وهران والعاصمة.. أشتغل بالمسرح الإذاعي التابع للقناة الإذاعية الأولى، الذي عاود عز الدين ميهوبي بعثه من جديد رفقة عدد كبير من الفنانين، نشتغل في صمت ولكننا دائما على قيد الإبداع.. ربما العالم تغير وصار تلحين وتسجيل الأغنية لا يكفي، لابد من إعلام ومتابعة وتسويق.. ولكن هذا ليس ذنبي.. لقد وهبت نفسي للفن منذ زمن ولا يمكنني أن أتراجع بعد كل هذا التعب.
هل يعني هذا أنك لم تعتزلي الفن؟ لا أبداً.. ربما أصابني بعض الإحباط، ولكن أشكر المسرح الإذاعي الذي عاود بعث الفنانة في داخلي.
وما سبب هذا الإحباط؟؟ كل شيء.. الأبواب الموصدة.. زمان كنا نسجل الأغاني في الإذاعة ثم نقدم أعمالنا في التلفزيون.. محطة وهران كانت لا تدخر جهدا في دعوتنا إلى البرامج المنوعاتية.. لكن الأكيد أن سفري إلى مصر أحبط عزيمتي الفنية كثيراً وجعلني مستاءة من كل شيء.. ولا ثقة لي في الفن وأهله.
هل لك أن تخبرينا عن رحلتك إلى مصر.. وما هو سبب هذا الإستياء.. هل واجهتك صعوبات في مصر؟ نعم.. أقلّها أنني عندما عدت قال الجميع إنني ذهبت إلى مصر ”أم الدنيا” مركز الفن والفنانين وعدت خائبة.. لكن لو يعرفون الحقيقة لسكتوا عن ترديد ذلك.
أخبرينا عن الحقيقة؛ إذن؟ ربما ما كنت لأحكي تجربتي في مصر لولا الشجاعة التي منحها لنا الإنتصار الكروي الأخير.. لقد كشفت الرياضة ما خبأه الفن طويلاً.. عموما رحلتي إلى مصر بدأت سنة 1997 عندما اختارني اتحاد الإذاعات والتلفزيونات العربية كأحسن صوت وتحصلت على المرتبة الأولى أمام لجنة الأصوات التي ضمت كل من صلاح الشرنوبي وحلمي بكر وصلاح قابيل آنذاك؛ حيث أعجبوا بصوتي أيما إعجاب.. تلك اللجنة قدمت لي وثيقة رسمية للتسجيل، لاتزال تلك الشهادة عندي، ولكن شركة صوت القاهرة، نزلت على رأسي بالمعوقات واحدة بعد الأخرى.. حيث طلبت مني أولاً تغيير اسمي.. كيف يمكن أن أغير اسمي.. جهيدة هذا الاسم الثوري وأنا ابنة الاستقلال.. قلت يستحيل أن أفعل ذلك.. وبشق الأنفس اجتزت العقبة الأولى.. ثم طالبوني بمبلغ 50 ألف جنيه؛ كي أتمكن من التسجيل باستوديوهاتهم بعدها انتهى بي المطاف في فرقة سمير صبري، أين كنت أحيي معه الأعراس.. ولأنه كان يؤمن بقدراتي الصوتية استغلني كثيرا طوال أربع سنوات فكان أجري زهيدا جدا.. والله كنت أضيف من مالي الخاص في ذلك البلد.. وعدت سنة 2001 إلى وهران بعد كابوس حقيقي.. فقط تأكدوا أن معاناة الفنانة غير المصرية في مصر كبيرة وكبيرة جداً.. وهؤلاء الذين نجحوا هناك أنا أقول لهم.. ربي كان في عونكم.. بالنسبة لي لا أستطيع تحمل كل تلك المهانة، أنا كما ترين رقيقة ودمعتي قريبة ويمكن خدشي بسهولة.. لذا فضلت العودة إلى الجزائر..
بعيدا عن تجربة مصر.. لقد تألقت في الجزائر سنوات الثمانينيات، كما عرفك الجمهور في عدد من الأوبيرات والأعمال الكوميدية.. نعم سنة 1982 قمت بكوميديا موسيقية بعنوان ”رجوع مينوش” سنة 1987، كما قمت بأوبيرات ”تسابيح الأرض” من تلحين االموسيقار الفاضل أطال الله في عمره بلاوي الهواري وكلمات عز الدين ميهوبي، بالإضافة إلى أوبرات حيزية، قال الشهيد، والعمل القيّم ارفع راسك التي كتبها المرحوم عمر البرناوي ولحنها شريف قرطبي. أما الأعمال التليفزيونية.. فقد شاركت في فيلم ”البركة” أين أديت دور حاضنة الرسول صلى الله عليه وسلّم .
كل هذا الرصيد وتشعرين بالإحباط؟ لا يعرف الفنان الرضا، هو في سباق دائم نحو الأفضل والأحسن.. ولكن ما باليد حيلة، أنا متوفرة لمن يطلبني.. كما قلت لك سابقاً أنا خدشي سهل جداً لذا لا يمكنني مطلقا أن أقف عند باب أحد وأطالب بأدوار أوأغاني.. لذا تسلل إلى حياتي الإحباط.. لذا نحتاج الدعم والمكاتفة الإعلامية.
تحملين مشروعا للأطفال في محاولة منك لتدارك النقص الكبير في أغنية الطفل..أين وصل المشروع؟ لقد أنهيت الألبوم منذ فترة.. وهو عبارة عن أغاني تربوية سجلتها في الإذاعة وهي تبث حاليا في الإذاعة.. الألبوم يضم ستة أغاني للأطفال من كلماتي وألحاني، ما عدا أغنية ”يا أروع أم” لفوزية لارادي.. عناوين الأغاني هي:”إلى المدارس نسير”،”أبي أناديك”، ”إلهي”، ”يا أروع أم”، ”نحن البراءة”، ”منارة الأجيال”. وأنا أطالب من هذا المنبر بمساعدتي؛ كي أصور هذه الأغاني على شكل كليبات يشارك فيها الأطفال.. لقد حاولت من جانبي مرات عديدة مع التليفزيون ولكن لا حياة لمن تنادي.. وأريد فعلا القيام بذلك من أجل البراءة التي لم نهديها شيئا.
هل من مشاريع في الأفق؟ ما عدا المسرح الإذاعي الذي نحاول النهوض به لا شيء.. ربما أود أن أعود إلى التجربة التلفزيونية في حال دعوتي لذلك.
شيء في قلب جهيدة لم نتحدث عنه؟ والله أنا سعيدة بهذه الفرصة على صفحات جريدة ”الفجر”.. ربما أحن إلى سهرات غنائية تجمعنا تحت أضواء الباهية.. أيضاً أود أن أقدم دورا تلفزيونيا كوميديا، ربما الناس تجهل هذا الجانب في داخلي.. كما أتمنى لكل الفنانين في الجزائر أن لا يضيع عمرهم سدى في انتظار الفرصة الحقيقية.