السؤال: كنت مسافرًا، ووصلت المدينة التي سافرت إليها يوم الجمعة وقت صلاة الجمعة والإمام يخطب، وذهبت إلى شقتي فصليتها ظهرًا.. فما الحكم في ذلك؟ الجواب: صلاة الجمعة غير واجبة على المسافر ولا تلزمه، وهو قول جمهور الفقهاء من الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة. استدل أصحاب هذا القول بأدلة عدة؛ منها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسافر أسفاراً كثيرة، وقد اعتمر عمراً سوى عمرة حجته، وحج حجة الوداع ومعه ألوف مؤلفة، وغزا أكثر من عشرين غزاة، ولم ينقل عنه أحد قط أنه صلى في السفر لا جمعة ولا عيداً، بل كان يصلي ركعتين ركعتين في جميع أسفاره، ويوم الجمعة يصلي ركعتين كسائر الأيام. ولم ينقل عنه أحد قط أنه خطب يوم الجمعة وهو مسافر قبل الصلاة لا وهو قائم على قدميه ولا على راحلته، كما كان يفعله في خطبة العيد، ولا على منبر كما كان يخطب يوم الجمعة. وقد كان أحياناً يخطب بهم في السفر خطباً عارضة وينقلونها... ولم ينقل عنه قط أحد أنه خطب يوم الجمعة في السفر قبل الصلاة؛ بل ولا نقل عنه أحد أنه جهر بالقراءة يوم الجمعة. ومعلوم أنه لو غيّر العادة فجهر وخطب لنقلوا ذلك، ويوم عرفة خطب بهم ثم نزل فصلى بهم ركعتين، ولم ينقل أحد أنه جهر، ولم تكن تلك الخطبة للجمعة؛ فإنها لو كانت للجمعة لخطب في غير ذلك اليوم من أيام الجمع، وإنما كانت لأجل النسك. ولهذا كان علماء المسلمين قاطبة على أنه يخطب بعرفة وإن لم يكن يوم جمعة، فثبت بهذا النقل المتواتر أنها خطبة لأجل يوم عرفة، وإن لم يكن يوم جمعة، لا ليوم الجمعة...”.. هذا يعني أن المسافر فرضه الظهر، فإن صلى الجمعة أجزأته عن الظهر، وذلك باتفاق العلماء. أما المسافر إذا استقر في بلد تقام فيه الجمعة، فإن بعض فقهاء الحنابلة قالوا: إن الجمعة تلزمه بغيره لا بنفسه، لأن من شروط وجوب الجمعة عندهم الاستيطان، وهذا غير مستوطن، قال ابن قدامة رحمه الله في المغني (2/195): “إذا أجمع المسافر إقامة تمنع القصر ولم يرد استيطان البلد كطلب العلم، أو الرباط، أو التاجر الذي يقيم لبيع متاعه أو مشتري شيء لا ينجز إلا في مدة طويلة؛ ففيه وجهان: أحدهما: تلزمه الجمعة لعموم الآية، ودلالة الأخبار التي رويناها فإن النبي الله صلى الله عليه وسلم أوجبها إلا على الخمسة الذين استثناهم وليس هذا منهم. والثاني: لا تجب عليه لأنه ليس بمستوطن، والاستيطان من شروط الوجوب، ولأنه لم ينو الإقامة في هذا البلد على الدوام، فأشبه أهل القرية الذين يسكنونها صيفاً ويظعنون عنها شتاءً، ولأنهم كانوا يقيمون السنة والسنتين لا يجمعون ولا يشرقون أي لا يصلون جمعة ولا عيداً، فإن قلنا تجب الجمعة عليه فالظاهر أنها لا تنعقد به لعدم الاستيطان الذي هو شرط الانعقاد” والله أعلم.