يمكن الربط بين العقوبات التي فرضتها الولاياتالمتحدةالأمريكية عبر مجلس الأمن على إيران، والهجوم الإسرائيلي على قافلة الحرية وقتلها لتسعة ركاب أتراك كانوا على متن السفينة مرمرة، في أن الحدثين معا يستهدفان النيل من الدور التركي في منطقة الشرق الأوسط. فالعقوبات التي صدرت عن مجلس الأمن جاءت فى أعقاب نجاح تركيا والبرازيل في التوصل إلى اتفاق ثلاثي مع إيران حول تخصيب اليورانيوم خارج إيران، وهو ما اعتبر نجاحا كبيرا للدبلوماسية التركية، أما الاعتداء على القافلة فكان يستهدف إرغام تركيا على دفع ثمن غال لمحاولاتها التدخل لوقف حصار غزة، وفي نفس الوقت إظهار أنها بهذا التدخل أصبحت طرفا في الصراع العربي الإسرائيلي بما يجعلها غير صالحة للقيام بأي دور للوساطة بين أطراف الصراع في المستقبل. وكل هذة التحركات وما نتج عنها من آثار يمكن التعامل معها باعتبارها محاولة من كل من الولاياتالمتحدة وإسرائيل للتأثير بالسلب على محاولات تركيا الانضمام إلى الاتحاد الاوروبي. ذلك أن أحد الأعمدة الرئيسية في هذه المحاولات هو أن تركيا تريد أن تقنع أوروبا بأنها يمكن أن تكون عامل استقرار للمنطقة التي يرتبط أمنها بالأمن الأوروبي، وأنها يمكن أن تكون جسرا للتواصل بينها وبين العالم الإسلامي. وبالتالي فإن كلتا الدولتين أي الولاياتالمتحدة وإسرائيل قررتا أن تتصديا معا، لمحاولات تركيا أن تصبح دولة مركزية فى الشرق الأوسط. لعل أحد الأسباب الرئيسية التي تقف وراء هذا الموقف الأمريكي الإسرائيلي هو أن الدولتين لديهما تصور محدد للدور التركي في منطقة الشرق الأوسط، وهو أن توازن تركيا من الدور الإيراني المتعاظم في المنطقة كحد أدنى، وأن تعمل على حصار هذا الدور كحد أقصى، ولكن تركيا رأت أن مصالحها تتطلب العمل مع إيران فيما يتعلق ببعض القضايا والتوازن معها في قضايا أخرى، أي أنها لم تصبح عضوا في محور أمريكي إسرائيلي، وإنما تعاملت مع إيران وفقا لمصالحها الوطنية. وهو الأمر الذي استفز كلاً من الولاياتالمتحدة وإسرائيل، ودفعهما إلى التعامل مع تركيا باعتبارها ليست ضمن المعسكر الغربي، وهو الأمر الذي دفعهما إلى اتخاذ سياسات تستهدف النيل من الدور التركي على النحو الذي حدث مؤخرا فيما يتعلق بكل بدفع تركيا للتوسط بين الغرب وإيران ثم تجاهل نتائج الوساطة وقتل ناشطين أتراك في قافلة الحرية. ومن المناسب مناقشة إلى أي حد سوف تتأثر تركيا بهذه التحركات الأمريكية الإسرائيلية، خاصة وأنها تعد محاولات لحصار الدور التركي في منطقة الشرق الأوسط والنيل من مساعيها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. والحاصل أن تأثر تركيا مرتبط بعدة عوامل أخرى في مقدمتها مدى توافق ما تقوم به تركيا في الوقت الراهن من تحركات والرؤية الأوروبية لكل من المسألة الفلسطينية ولإيران. فعلى الرغم من أن أوروبا ما زالت تتوافق في سياستها مع الولاياتالمتحدة، إلا أننا لا نستطيع القول ان هناك رؤية مشتركة بين الجانبين، وإنما هناك مواقف أوروبية مختلفة إلى حد ما فيما يتعلق بهذة القضايا. وكل ذلك يعني أن رؤية أوروبا لمصالحها هي التي ستلعب دورا حاسما فيما يتعلق بقبول تركيا في الاتحاد الأوروبي أم لا، وهذا الأمر لم يحسم بعد، وإن كانت الولاياتالمتحدة التي كانت في السابق متحمسة لكي تصبح تركيا عضوا في الاتحاد قد غيرت موقفها، وهذا الأمر ينطبق على ما يتعلق بدعم تركيا لحماس وأيضا لمحاولاتها تطبيع الدور الإيراني في منطقة الشرق الأوسط. وإذا كانت الحكومات الأوروبية حالياً ليست على مستوى الاختلاف مع السياسة الأمريكية على النحو الذي حدث من قبل في أكثر من مناسبة، إلا أن هذا الأمر يمكن أن يتغير في المستقبل، بما يفيد تركيا، وبالطبع فإن صانع القرار التركي لا بد أن يكون قد وضع في حسبانه كل هذه التداعيات هو يقدم على الخطوات التي قامت بها بلاده مؤخرا. أما على الجانب الآخر، أي تركيا فهناك تحليلات ترى أن ما تتخذ تركيا من قرارات ما هو إلا إعلان عن سياسة الهوية التي سوف تلتزم بها في المستقبل، فتركيا كانت تتبنى الخيار الأوروبي، ولكن يبدو أنها رأت أنها غير مقبولة أوروبيا، فقررت أن تتبنى الخيار شرق الأوسطي، وكل ذلك يعني أن الموقف الأمريكي والإسرائيلي لن يؤثر عليها وفقا لهذا الخيار. وفي رأي العديد من المتابعين للتحركات الأوروبية، فإن إعلان تركيا عن خيار هويتها شرق الأوسطية، كان مع تولي وزير الخارجية التركي الحالي أحمد داوود اوغلو منصبه، ذلك أنه صاحب هذه الخيارات منذ أن كان مستشارا لرئيس الوزراء للشؤون الخارجية وقبل أن يتولى منصبه رسميا. وقد جاء تعيين رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان له في منصبه ليكون بمثابة انحياز من الحكومة التركية لرؤيته المتعلقة بهوية تركيا شرق الأوسطية التي تركز في تحركانها على دول العالم الإسلامي ومنطقة الشرق الأوسط. وهذا الأمر يعني أن تركيا هي صاحبة الفعل في كل ما يجري، وليس في موقف رد الفعل على السياستين الأمريكية والإسرائيلية. بقلم : خالد السرجاني