كشفت تقارير لوزارة الداخلية الفرنسية، في إطار مخطط مكافحة الهجرة غير الشرعية، أن مصالح الشرطة أشارت خلال عمليات مراقبة هوية المهاجرين المقيمين بدون وثائق على التراب الفرنسي، إلى وجود مجموعات من الأطفال والمراهقين، تتراوح أعمارهم بين 13 و17 سنة قصر يجوبون الشوارع في النهار ويبيتون في محطات الميترو والبنايات المهجورة ليلا العائلات تجهل مصير أبنائها وجمعيات تتحدث عن وجودهم بإسبانيا، بريطانيا، إيطاليا وبلجيكا في حالة تشرد بعدة مدن فرنسية، خاصة الجنوبية منها، كمارسيليا، ليون وتولون، واتضح بعد التحقيق معهم أنهم من جنسية جزائرية، دخلوا التراب الفرنسي سرا عبر مختلف الطرق وبشكل أخص تسللهم واختباؤهم على متن بواخر تجارية تتنقل بين الموانئ الفرنسية والجزائرية، وقدرت مصالح الأمن الفرنسية عدد هؤلاء المشردين بأكثر من 400 طفل ومراهق لم يبلغوا بعد سن الرشد. في غياب إحصائيات دقيقة حول العدد الحقيقي لهؤلاء الأطفال والمراهقين، كشفت “الجمعية الفرنسية لرعاية الشبان المشردين”، المتواجد مقرها بمارسيليا، عن تسليم شرطة مارسيليا للعشرات من الأطفال والمراهقين المشردين للجمعية، للتكفل بهم وإيوائهم بمقراتها، في انتظار إيجاد حل لوضعيتهم. ويعتبر القانون الفرنسي هؤلاء الأطفال والمراهقين المشردين، جانحين، يطبق عليهم قانون الإجراءات الجزائية، بحيث تقضي التدابير الأمنية بإيداعهم سجون الأحداث والقصر، غير أن مصالح الأمن تشكو من اصطدامها بعوائق وصعوبات تحول دون معالجة حالاتهم، كغياب معلومات دقيقة حول هوياتهم وعناوين إقامتهم بالجزائر، باعتبارها معطيات ضرورية لإعداد ملفات قانونية تخصهم، الأمر الذي دفع بمصالح الأمن إلى تسليمهم مؤقتا للجمعيات الخيرية الفرنسية، المختصة في رعاية الشباب المشردين والأحداث، من بينها الجمعية المتواجدة بمرسيليا، التي أخذت على عاتقها مهمة التحقيق في هويات هؤلاء الأطفال المراهقين الذين تؤويهم مقراتها. وفي ذات السياق، قام وفد عن الجمعية الفرنسية المذكورة بالتنقل مؤخرا إلى الجزائر العاصمة وعنابة للتحقيق في هوية مجموعة من الأطفال والمراهقين، كانوا قد صرحوا لدى استجوابهم بأنهم قدموا إلى فرنسا على متن بواخر تجارية متخفين، بعد أن تسللوا إليها في مينائي الجزائر العاصمة وعنابة. وللوقوف على حقيقة تصريحات هؤلاء الأطفال، قام نائب رئيسة الجمعية الفرنسية، كمال كوديل، فرنسي من أصل جزائري، رفقة أعضاء من الجمعية، بعدة زيارات للجزائر، آخرها لمدينة عنابة، حيث تم إحصاء سبعين طفلا ومراهقا، صرحوا بأنهم يقطنون رفقة عائلاتهم بعنابة، ما دفع أعضاء الجمعية إلى مباشرة البحث والتحقيق للاتصال بأوليائهم. ودامت زيارة وفد الجمعية الفرنسية لولاية عنابة يومين، قام خلالها أعضاؤه بالاتصال بعدد من العائلات بغرض جمع المعلومات والحصول على وثائق الحالة المدنية، خاصة منها شهادات الميلاد، لتحديد الهويات الحقيقية للأطفال والمراهقين الموجودين لدى الجمعية بمارسيليا، التي تعتبر وثائق ضرورية لإعداد ملفاتهم الإدارية، ودراسة إمكانية إعادتهم الى بلدهم الجزائر، بعد إبلاغ أوليائهم وبالتنسيق معهم. وفي حال رفض الأولياء للمسعى أو استحالة الاتصال بهم، يتم اتخاذ إجراءات أخرى، تتمثل في الإبقاء على هؤلاء الأطفال والقصر بمقرات الجمعية، إلى غاية بلوغهم سن الرشد، الأمر الذي يتطلب إدماجهم في برامج التكوين المهني والحرفي، التي تشرف الجمعية على عدد منها، وذلك بالتنسيق مع الهيئات الإدارية والاجتماعية الفرنسية، بحكم القانون الفرنسي الذي يجبرها على رعاية الفئة على اختلاف جنسياتهم ووضعياتهم، وفق قانون الهجرة الذي يمنع طرد وترحيل الأجانب القصر، ما لم يبلغوا سن الرشد. وعلمت “الفجر” من مصادر مطلعة بأن عددا معتبرا من هؤلاء القصر، خاصة من الجزائر العاصمة وبجاية، أصبحوا يقدمون معلومات خاطئة لمصالح الأمن الفرنسية وللجمعيات تجنبا لإعادتهم إلى الجزائر. كما اتضح أيضا، أن بعض العائلات الجزائرية تجهل مكان تواجد أبنائها الذين غادروا منازلهم، وغامروا ذات يوم على متن البواخر باتجاه فرنسا، دون إخبار أوليائهم لأسباب متعددة، اجتماعية واقتصادية وعائلية. وعن ظروف حياة هؤلاء الأطفال والمراهقين بفرنسا، أشارت تقارير الجمعيات التي تتكفل بهم حاليا، إلى أن مصالح الأمن الفرنسية تعثر عليهم سواء أفرادا أو مجموعات، مشردين، يجوبون الشوارع نهارا ويبيتون في الليل بالمنازل القديمة والمصانع المهجورة، ومحطات الميترو والقطارات، وأضافت أن البعض منهم استقروا بعدد من الأحياء الشعبية بمارسيليا، المعروفة بكثرة الأسواق والمحلات التجارية، التي يملكها المغتربون الجزائريون، بعد أن وجدوا مورد رزق مؤقت، من خلال قيامهم بأعمال يدوية، كتنظيف المحلات، جمع القمامة، نقل البضائع من شاحنات التموين إلى مخازن المحلات، وغيرها. وأفادت تقارير أخرى أعدتها جمعيات حقوقية أوروبية من إيطاليا، إسبانيا، بريطانيا وبلجيكا، بوجود العشرات من الشبان المراهقين الجزائريين بالعديد من المدن الأوروبية، في حالة تشرد، تجهل أعدادهم الحقيقية، بسبب صعوبة الاتصال بهم واختبائهم تجنبا لقرارات الحبس أو الترحيل، جراء الإجراءات الصارمة التي تطبقها مصالح الشرطة الأوروبية على المهاجرين غير الشرعيين. وحذرت الجمعيات الإنسانية والحقوقية الأوروبية، من استمرار صعوبة الاتصال بهؤلاء المراهقين، والتي ترغب من خلال محاولات التقرب منهم، في الإطلاع على أوضاعهم المعيشية وتقديم المساعدة لهم، خاصة وأنهم مراهقون وقصر، وذكرت أن بقاءهم دون رعاية وحماية، يجعلهم عرضة للاستغلال من طرف عصابات المخدرات والجريمة المنظمة.