في ظل نقص المساحات الخضراء داخل المحيط الحضري بمدينة مستغانم وغياب أماكن للتسلية في جميع بلديات الولاية، تحولت أضرحة الأولياء بولاية مستغانم إلى قبلة سياحية بامتياز، حيث يتمتع زوارها بقسط من الراحة داخل محيط هادئ بعيدا عن ضوضاء المدينة واكتظاظ الشواطئ، وفيما يراها البعض فرصة لإفراغ شحنة الضغوط اليومية، يراها البعض الآخر بمنظور ديني وثقافي الزائر يتمكّن من الوقوف على أماكن عبقت قبل قرون بأنفاس الأولياء الصالحين، كسيدي لخضر بن خلوف، سيدي عبد الله الخطابي، سيدي الشارف، وسيدي بن ذهيبة ... وهو ما خلق محيطا سياحيا يقتات منه المئات من الشباب، الذين يتفننون في عرض سلعهم على السيّاح، ما يستدعي اهتمام السلطات المحلية. يعتبر ضريح سيدي لخضر بن خلوف أول قبلة سياحية من حيث عدد الزوار بولاية مستغانم، حيث يعرف ضريحه إقبالا كبيرا طيلة أيام السنة، خصوصا في العطل، وهذا لوجوده في أعلى هضبة محاطة بغابة كثيفة الأشجار تطل على مدينة سيدي لخضر على بعد 3 كيلومترات، ولم تقف حالة الطريق المتردية عائقا أمام زواره، الذين يتمتعون بمناظر طبيعية ساحرة تحيط به من كل جانب. كما استفاد الضريح من إعادة تجديد يسع الراغبين في مجاورته وحتى يتمكّن زوّاره من أخذ صور تذكارية إلى جانب النخلة العملاقة التي نبتت بجانب الضريح بشكل دائري وكأنها تعانقه وتقف شاهدا على كراماته. وقد شدّنا وجود العديد من العائلات التي تفترش المكان، ومن النساء من يجلبن المؤونة لتحضير الطعام في جو عائلي بهيج، كما يتفنن الباعة الذين يقصدون الضريح لبيع صور فوتوغرافية أو أشياء للزينة، ما حوله إلى قبلة سياحية توجتها الوعدة التي تقام في شهر أوت من كل سنة، والتي تعرف حضور العديد من المطربين الذين يتغنون بكلمات هذا الولي الصالح. وللعلم، سيدي لخضر بن خلوف ولد في أوائل القرن السادس عشر الميلادي، كما شارك في معركة مزغران ضد الإسبان عام 1558، وعاش أكثر من 100 سنة مادحا للرسول عليه الصلاة والسلام، وقد شكّلت أشعاره كلمات العديد من الأغاني الشعبية. ولا يزال ضريح سيدي الشارف، الذي يقع على بعد 8 كيلومترات غرب مدينة بوقيرات، يحافظ على صيته الذي يعود إلى قرون خلت، حيث يتمتع ابن سيدي عبد الله الخطابي بسمعة طيبة لدى أبناء الولاية خصوصا منطقة مجاهر، ويقام بمحيط ضريحه احتفال شعبي يسمى الطعم، يزوره الآلاف سنويا للتبرك به ومشاهدة مئات الفرسان من جميع أنحاء الوطن يمارسون الفانتازيا وهم على ظهور جيادهم العربية الأصيلة. وفيما يعتقد سكان المنطقة أن سيدي الشارف قد رضع لبن اللبؤة وله كرامات عديدة، تقصده العائلات للتمتع بمحيط هادئ على أرض مستوية تحوي أراضي زراعية خصبة، إلى جانب أخيه الولي الصالح سيدي بن ذهيبة، الذي يعتبر مفتاح مدينة ماسرى على بعد 13 كلم من مدينة مستغانم، حيث يعتلي المرتفع الذي يطل على المدينة وكأنه يرحب بزوارها، ويحكى أن اسمه الحقيقي يوسف، إلا أن قربه لأمه ذهيبة جعله يلقب بابن ذهيبة أو بن ذهيبة. وفيما لا يزال اهتمام السلطات المحلية بأضرحة الأولياء ضعيفا، يحاول المئات من الشباب البحث عن قوت يومهم بطريقة فوضوية في محيطها، مما يستدعي تدخلا عاجلا للسلطات المحلية لتنظيم العملية وتشجيع السياحة الثقافية بولاية مستغانم ومساعدة الشباب البطال على الاستثمار فيها، وهو ما سيسمح بمحاربة الدجل والشعوذة التي تتنامى في أوساط الطبقات الفقيرة.