يخيّل لزائر مدينة سرايدي الساحرة، الواقعة في أقصى نقطة من الحدود الساحلية الشرقية، لأول وهلة أنه فوق قطعة من الجنة، بالنظر إلى المناظر الخلابة التي تعانق سحر غابات جبال الإيدوغ بمرتفعات سرايدي، غير أن هذا الإحساس سرعان ما يتلاشى عندما يكتشفما خفي وراء هذا الجمال الساحرة لم تكن الرحلة إلى مدينة سرايدي مبرمجة في أجندة العمل الصحفي اليومي، بل كانت رحلة دون سابق إنذار فرضتها بعض الظروف الجميلة التي كانت صدفة من أجمل الصدف والتي ستبقى في الذاكرة، رغم خطورة الطريق الذي سلكناه وسط الغابات والأشجار الكثيفة. كان علينا الوصول إلى سرايدي في وقت يمكننا التوجه إلى بعض المناطق السياحية البعيدة المنتشرة عبر سلسلة الإيدوغ على غرار عين بربر وشاطئ واد الڤاب والرمانات. كل هذه الدواوير معزولة عن العالم بسبب همجية الجماعات الدموية والتي تركت الخوف في قلوب الزوار والوافدين على هذه القرى السياحية والتي تشبه كثيرا المنتجعات السياحية الشهيرة في أوروبا. انتابنا التوتر والخوف على امتداد طول الطريق بعدما أخبرنا مرافقونا بأن الطريق كانت آهلة بالجماعات الإرهابية التي اقترفت مجازر متفرقة في حق العائلات السرايدية والتي هاجرت أراضيها تاركة وراءها الأرزاق في أيدي الناهبين، كما زاد صيام المسؤولين من إهمال هذه القرى التي تعزّزت خلال الأشهر الأخيرة بأفراد الجيش الشعبي وعناصر الحرس البلدي وقوات الدفاع الذاتي. هذا ما لا حظناه، فلا نكاد نخرج من حاجز أمني إلا وندخل في آخر كإجراء احترازي. عين بربر الجنة المنسية يحكمها قانون الإهمال والجماعات الإرهابية قد نبالغ إن قالنا بأن منطقة عين بربر لمن لا يعرفها عبارة عن قطعة من الجنة مشتقة من مدينة ريو البرازيلية لجمال شاطئها، فلما تقدمت خطوة إلى الأمام عبر غابات الزان وأشجار الدفلة وافرة الظلال تحس بشيء في نفسك يحرضك على المزيد من الخطوات والمزيد من الارتفاع إلى مستوى شاطئ عين بربر المهجورة منذ 20 سنة، وكلما انحرفت إلى الأمام تحس بملامح حزن طاغ يعصر قلبك ويعطي لك الانطباع بأنك بصدد ولوج دوار كبير في قبضة الجماعات الإرهابية التي قضت على شقه الصناعي بعد أن هدمت المفارز الصناعية الخاصة بإنتاج الفلين، بل حتى مواقع المناجم لم تنج من عمليات التهديم.. فهي عبارة عن آثار مهمشة عشعش فيها طير اللقلق. هذه الصور تشاهدها وأنت تدخل عين بربر، حيث يتبادر إلى ذهنك أن هذه الأخيرة لا تزال تعيش في عز الأزمة عندما تشاهد المتاريس الموضوعة من طرف الجيش. تعيش حوالي 30 علئلة داخل الأكواخ المبنية من القش وأخرى من القرميد بمنطقة عين بربر، حيث يعتمد سكانها على صيد الأسماك ورعي الأغنام والماعز وإنتاج الحليب والزبدة.. حياتهم بسيطة جدا فالأطفال تعودوا على حياة الدوار رغم خطورة الوضع. هذا ما أكده لنا الطفل محمد، إنهم يعون جيدا بأن داخل الغابات يوجد أفراد الجماعات الإرهابية التي ألفت الحياة معهم، حيث كان السكان يزودون هذه الحجافل بالماء والخبز خلال العشرية السوداء، وقد سألنا الطفل إذ كانوا يلتقون معهم فرد بلا، لكن يسمعون بين الفينة والأخرى اشتباكات بين أفراد الجيش والإرهابيين. وفي السياق آخر، لا يتردد على شاطئ عين بربر إلا سكانها، حتى الصحافة لم تزر المنطقة منذ 20 سنة، لأن هناك - حسب السكان - عصابات ملثمة تعيش هي الأخرى على مهاجمة السياح خاصة منهم الأجانب. كل هذه العوامل كانت سببا في القضاء على السياحة بالجنة المنسية بسرايدي. شاطئ واد الڤاب مخصص سرا شاطئ واد الڤاب من أجمل الشواطئ في الجزائر على الإطلاق على اعتبار أنه يكاد يكون الشاطئ الوحيد الذي لا يحتاج فيه المصطاف إلى جلب شمسية لحماية نفسه وعائلته من أشعة الشمس الحارة، لأن ظل أشجار السنديان والفلين وغابات الريحان الكثيفة والتي تغطي طول الشاطئ تغنيه عن ذلك.. والأكثر من هذا، فإن الزائر له يجعله لا يفكر في جلب قارورة الماء معه لأن هناك العديد من الينابيع الطبيعية داخل الغابة والتي تروي ضمأ العطشان. ومن المفارقات العجيبة أن الشاطئ واد الڤاب لم يتم إدراجه في قائمة الشواطئ المسموحة للسباحة رغم أن وزارة السياحة أعطت تعليمة للسلطات المحلية بتهيئة الشاطئ وتحويله إلى منتجع سياحي وفق المقايس المعمول بها، إلا أنه حسب المير فإن موقع شاطئ الڤاب حرمهمن أن يكون فضاء مفتوحا للسياح للتمتع بزرقة مياهه وسط الغابات المخضرة. لكن الغريب في الأمر أن هذا الشاطئ مخصص لبعض العائلات ومسؤولين من الوزن الثقيل في الدولة يستغلونه في الاستحمام والراحة وعملية الصيد العشوائي عند نهاية اأسبوع، حسبما أكدته لنا مصادر موثوق منها فيما تحرم خزينة الدولة من مئات المليارات. الأجانب زاروا سرايدي بغرض الاستثمار وبناء مركبات سياحية بقول رئيس بلدية سرايدي، السيد ثابت، إن السمعة السياحية التي تتمتع بها مدينة سرايدي لا تعدو أن تكون كالشجرة الصغيرة التي تغطي غابة كبيرة من المشاكل والنقائص. وعليه من الصعب النهوض بالسياحة بها أمام ضعف الميزانية التجارية، لأن الجهة تتطلب في أغلبها عملية ترميم كما تبقى عملية تهيئة الشواطئ مرتبطة بميزانية إضافية التي يخصصها المجلس الولائي كل سنة للبلديات الفقيرة. المير تحدث مطولا عن غياب المرافق السياحة بالمنطقة، حيث تتوفر مدينة الملائكة كما يسمونها بعنابة على فندق مصنف 3 نجوم وبعض المجمعات السياحية المتناثرة وغير المجهزة بالضروريات، كل هذه الإمكانيات ضعيفة مقارنة بالإقبال الواسع للسياح على المنطقة. وفي سياق متصل، أدرجت وزارة السياحة منطقة سرايدي في أجندة النشاط السياحي، حيث تم عقد اتفاقيات عمل مع المستثمرين الأجانب بغرض الاستثمار فيها وبناء قرية سياحية ومركبات فندقية داخل لغابات الساحرة وإنشاء مناطق للصيد بمرتفعات الإيدوغ التي سحرت الأجانب، إلا أن هذه المنطقة اليوم شبه مهجورة كما يقول سكانها وحرمت من زوارها منذ عدة سنوات بعد أن روج عنها أنها منطقة ملغومة لتنسف بذلك كل المشاريع الاستثمارية المقترحة من قبل رجال الأعمال الخليجيين الذين انبهروا بجمالها عند زيارتهم لها العام الماضي. منازل الفقراء لتعويض غياب الهياكل السياحية فضلت أغلب العائلات يبسرايدي إخلاء سكناتها وشققها مع حلول موسم الاصطياف لتعرض لعملية الكراء. هذه الظاهرة فرضها العجز الكبير المسجل في المرافق السياحية واستغلتها العديد من العائلات بغرض ضمان مدخول إضافي على اعتبار أنها تضطر إلى إخلائها خلال فترة الصيف لفائدة السياح الأجانب واللجوء إلى الإقامة المؤقتة لدى الأقارب والأهل أو ما يعرف بمسكن العائلة الكبيرة، حيث يتراوح سعر الشقة الواحدة من 3 إلى 4 ملايين سنتيم لمدة 12 يوما أما المستودعات والبناءات الهشة فأسعارها منخفضة بين 5 إلى 6 آلاف دينار. صيف سرايدي بدون مكيفات إن الزائر لهذه المنطقة الساحر بعنابة سيلاحظ خلال فصل الصيف الحار غيابا شبه كلي للمكيفات بسرايدي، لأنه في شهر أوت يجد درجة الحرارة منخفضة إلى 26 درجة مئوية في أكثر الأحيان. وحسب العارفين، فإن المنطقة تحيط بها أكبر سلسلة جبلية في الجهة الشرقية للبلاد، حيث تتميز بمختلف أنواع الأشجار الكثيفة منها الزاب، السنديان، البلوط ناهيك عن الصخور المتراصة والتي تشكل فسيفساء رائعة، فسرايدي تقع فوق هضبة عالية جدا من خلالها تستطيع أن تشاهد سحر مدينة بونة.. كل هذه العوامل المناخية صنعت التميز والفرجة بهذه المنطقة الخضراء ذات الينابيع. سكان سرايدي يتقنون جيدا التعامل مع الطبيعة، حيث يستغلون فصل الصيف في التنزه في الغابات والتمتع بالهواء الطلق، وهناك من المرضى خاصة المزمنين من يفضل البقاء خلال فصل الصيف بأعالي جبال سرايدي بعيدا عن الرطوبة والرتابة السنوية. وحسب أحد الأطباء العاملين بمستشفى سرايدي الخاص بأمراض الربو، فإن هواء جبال الإيدوغ نقي ويساعد على تطهير القصبات الهوائية من التلوث بالإضافة إلى صفاء المياه التي تنبع من الإلتصاق الحميمي بين الجبل والبحر اللذات صنعا لوحة في غاية الجمال، كل هذا تشاهده وأنت تسافر بواسطة التلفريك حيث يتم اختصار المسافات والزمن في رحلة لا تنتهي أبدا. لا بديل عن البوراك تتوفر مدينة سرايدي على 5 مطاعم تقليدية تقدم يوميا ما يعادل 300 وجبة متنوعة للزوار، لكن أغلب السياح يفضلون تناول البوراك مع بعض المشروبات، ”فالبوراك العنابي” وجبة الصيف المفضلة في سرايدي بعد طبق الشخشوخة، حيث فضلت أغلب المطاعم أن تحول نشاطها الموسمي إلى توفير البوراك الذي يكثر عليه الطلب والذي يقل سعر الواحدة عن 70 دج لأنه غني بالبروتينات والدسم. ويضاف إلى هذه الأكلات الشعبية المحلية السمك المشوي على الجمر خصوصا أن معظم تناول المثلجات بمختلف أنواعها خاصة ”الكريبوني” حيث يطول ويحلو السهر تحت أسعة المصابيح الكهربائية التي تتلألأ كل صيف، فليل سرايدي لمن لم يزرها بعد فرصة أخرى لتناول الثمار البري منها التفاح الهندي أو كما يسمى بالكرموس، فتجد علي طول الطريق الباعة الصغار وهم يعرضون هذه الفواكه الموسمية بأسعار منخفضة لا تغطي احتياجات عائلة تتكون من 4 أفراد. وإلى جانب هذا تباع ”المستورة المشوية” على الجمر وهي الأخرى مطلوبة جدا لدى أهالي عنابة والذين يحنون إليها مع قدوم فصل البحر والراحة حيث يجتمع الأقارب والأصدقاء والشباب الذين يفضلون التجمع للحديق عن الهجرة خصوصا والبواخر الراسية على عرض البحر، تجعلهم يتذكرون هذا وذاك ممن تمكنوا من الحرڤة، في الوقت الذي يفضل فيه البعض الآخر الصيد وسط الغابات الكثيفة. صيام المسؤولين، والهاجس الأمني قتل السياحة بسرايدي يعتقد أغلب سكان سرايدي أن صيام المسؤولين بالولاية ساهم في قتل السياحة بالمنطقة التي لو استغلت لدرت أرباحا على الولاية. وزاد في تعقد الأوضاع بسرايدي استغلال الناهبين لشواطئها التي هجرها المواطنون منذ أكثر من عقد كامل من الزمن كما هو الشأن بالنسبة لشاطئ واد بقرات، نهبت رماله أمام مرأى الجميع وما شجع أكثر هؤلاء الناهبين بسط سلطتهم على هذه الشاطئ - كما يقول سكانها- إهمالها التام من قبل السلطات التي لم تقرر بعد إعادة تهيئتها وفتحها بحجة أنها لا تزال تشكل خطرا على حياة المصطافين رغم تحسن الحالة الأمنية في بعض المناطق وركزت اهتماماتها أكثر على الشواطئ القريبة من عاصمة الولاية وتنازلت عن أجمل الشواطئ التي لا تزال تعتبر بالنسبة للكثير معاقل أساسية للجماعات الإرهابية. وعليه تبقى سرايدي تشكل خطرا يهدد حياة المصطافين حسب ما يدّعيه المسؤولون المحليون. إلا أن سكان المنطقة يكذبون ادعاءات هؤلاء ويؤكدون أن الحكومة تتخذ المشكل الأمني كشماعة تعلق عليها فشلها في إعادة الحياة السياحية لهذه المدينة الساحرة بعنابة.