سرايدي الواقعة في أعالي مدينة عنابة، يهزك جمال طبيعتها فتجعلك أسيرا، هادئة ومغرية، غاباتها الشاسعة وشاطئ عين البقرات وطيبة سكانها، مزايا تؤهلها لأن تصبح واحدة من بين أجمل المناطق السياحية في بلادنا. ونحن في طريقنا إلى سرايدي على متن سيارة أجرة، انبهرنا بسحر الطبيعة ولطافة الجو، والمسلك الضيق الذي حتم على السائق كمال أن يسير كغيره بسرعة 40 إلى 60 كلم في الساعة، فالمنعرجات لا تترك مجالا لأن يسير بأكثر من ذلك. '' سرايدي بدأت تسترجع عافيتها اليوم والحمد لله نعمل براحة، وتضاعفت مداخيلنا بشكل كبير '' قال سائق السيارة الذي بدا سعيدا بفصل الصيف، حيث تزداد الحركة وتصير المدينة قبلة لزائري عنابة، فعلى علو 1000م عن البحر تقريبا، يترآى لك ضباب كثيف يخيم على هذه المدينة الآمنة على مدار الفصل، فيرحل بمخليتك صوب عاصمة الضباب لندن.. وطبيعة تهديك عبق الأزهار وحلاوة الفراولة وترامي أشجار الكرز التي يجند السكان غرسها في هذه المنطقة، وصيف بحركية تخرج المدينة نوعا من هدوئها المعتاد. وأنت تلج المدينة يقابلك فندق المتنزه الوجهة المفضلة لقضاء أيام مريحة، الذي بدأ هو الآخر يستعيد بريقه بعد سنوات سوداء بجنون الإرهاب الذي عزل القرى المحاذية وأرخى سدول ظلام الرعب والخوف.. اليوم ومع عودة الأمن يعود معه الأمل وكل الآفاق واعدة ولغة الأرقام المقدمة من قبل مدير الفندق وأقوال التجار وإفضاءات السكان تبرز أن مستقبل سرايدي التي يقطنها حوالي 9000 نسمة، المدينة التي عشقها الكولون إبان الحقبة الاستعمارية، سيكون زاهرا بسياحة نشطة وإقبال متزايد للزوار خاصة وأن القائمين على شؤون السياحة بعنابة تحدثوا عن اهتمام كبير لدى مستثمرين قطريين لإقامة مشاريع هامة بالمنطقة. السيد الغوتي مدير المنتزه لم يخف في لقاء جمعنا به أنه تم تجاوز المرحلة الصعبة، مبرزا أن سنة 2008 ستكون ناجحة سياحيا واقتصاديا على مستوى الفندق الذي يشرف عليه، وينتظر أن ترتفع المداخيل بشكل كبير بعد استتباب الأمن والقيام بمجهودات لجلب النزلاء بواسطة العقود المبرمة على وجه الخصوص مع عدة مؤسسات وهيئات وطنية وأجنبية، مضيفا في سياق حديثه أن المتنزه بدأ في الفترة الأخيرة يستقبل العائلات بعد أن تم كسر جدار الخوف، والأرقام المسجلة تبرز ذلك، فسنة 2007 على سبيل المثال عرفت تأجير 8480 غرفة، أي ما يمثل نسبة 29٪ من طاقة الفندق، وتم إحصاء 15500 ليلة، وهذا الرقم مرشح لأن يتضاعف خلال السنة الجارية، وهي مؤشرات توحي كلها بأن مستقبل السياحة في سرايدي واعد، وأضاف ذات المسؤول: '' أظن أن السياحة في الجزائر عموما ستتطور، فبعد سنوات غاب فيها الاستثمار في المجال السياحي، حيث لم يشيد ولا فندق واحد منذ رحيل بومدين، تبرز اليوم مشاريع طموحة للخواص، واقتحمت شركات عالمية كبرى المجال، كما أن المؤسسات العمومية بادرت هي الأخرى بإعادة حساباتها بمشاريع تجديد وإعادة تأهيل وقد خصصنا في المنتزه 6 ملايير سنتيم لإعادة تجديده وتأثيثه، فغرفة ال 102 جددت بشكل كبير، مضيفا أنه اعتمد في الفترة الأخيرة استراتيجية ترتكز على تخفيض أسعار الغرف خاصة بالنسبة للأفواج ولعدد من التعاونيات الاجتماعية. ومن جهته أشاد السيد '' عبدلي أحمد '' عون استقبال بالمنتزه بالتحسن المسجل والرفع من مستويات الخدمة، مما سمح باستقبال ضيوف من مختلف الفئات والجنسيات، وهو ما يشجع أكثر العمال ال 48 على بذل مجهودات أكثر، مشيرا إلى أن فصل الصيف يعد فرصة مواتية لمضاعفة المداخيل خاصة مع عودة السياح الأجانب ومنهم الإيطاليين، الإسبانيين، الفرنسيين، ومزدوجي الجنسية، إضافة إلى جزائريين، وترى السيدة زوالي فاطمة مالكة لمحل تجاري بوسط المدينة أن الأحوال الأمنية تحسنت بالمنطقة واسترجعت سرايدي عافيتها والناس يعيشون في أخوة، ناهيك عن تزايد النشاط التجاري، وهو مايشجع بالفعل على تنويع النشاط. سرايدي تأخذ الاستثناء بعنابة مدينة الإجرام فاستناد إلى تصريحات سكانها، نادرا ما تسمع عن حالة اعتداء بالمدينة وربما يعود ذلك إلى كونها صغيرة والناس يعرفون بعضهم البعض، إضافة إلى تواجد فرق للدرك الوطني تجوب الأحياء ليل نهار، بالإضافة فهي تتوفر على فنادق سياحية أبرزها فندق المنتزه وغلاكسي بوسط المدينة.. وتبقى سرايدي الساحرة بغاباتها المميزة وجوها المغري وخلجانها وشواطئها في انتظار مشاريع أخرى واستثمارات تفتح آفاقا واسعة أمام شبانها الذين يعانون من البطالة ومن قلة الأنشطة الثقافية والرياضية، ومن يدري قد تكون البداية بأيدي القطريين؟