فقدت السهرات الرمضانية بوهران على غرار باقي ولايات الوطن الكثير من نكهتها في ظل المشاغل اليومية التي أصبحت ترمي بظلالها على كل مشهد، وأصبح المواطنون يحنّون إلى الزمن الجميل حينما كان الجار يطرق باب جاره ويتبادل معه أطباق من الحلويات والوجبات وحتى رغيف الخبز التقليدي الذي يحضّر دقائق قبل آذان الإفطار.. وكانت اللّمة تجمع الأحباب والأقارب وغيرها من الصور التي لم يعد لها وجود هذه الأيام، بعدما أصبح الناس يعتكفون في بيوتهم أمام القنوات الفضائية. لقد عوّضت هذه القنوات وما تقدمه من برامج لمّة الأحباب وجعلت شريحة كبيرة من المواطنين يفضلون قضاء سهراتهم الليلية أمامها، وعوّضتهم عن حنين الجدة والجد وجلسات زمان، فيما يفضل البعض الآخر التوجه إلى مقاهي الأنترنت أو إلى المنتزهات ومحلات بيع المثلجات وغيرها من الأماكن التي تستهوي أنظار الكثير من المواطنين، بعدما اندثرت السهرات الجماعية التي كان يتبادل فيها الجيران أحلى الكلام ويتفقدون من خلالها أحوالهم، بين النكت والقصص الشعبية بما يعرف ب ”المحاجية” التي كانت تزيد للسهرة رونق وعبق جميل يستمر إلى غاية وقت السحور، حيث كانت تتواصل السهرات إلى غاية اليوم الموالي. أعرب من جهته السيد بن خليفة لزرق، مدير المكتبة الجهوية لبلدية وهران عن تأسفه الشديد لاندثار السهرات الرمضانية التي كانت تقام أيام زمان، والتي لم يعد لها وجود اليوم بعدما أصبح مفهوم الانفرادية والعزلة يطبع الكثير الأشخاص والعائلات التي أصبحت تغلق أبوابها وتبتعد عن الجلسات الجماعية في ظل المشاكل اليومية التي يتخبط فيها المواطنون والتي جعلت الشخص يميل أكثر إلى الوحدة كنوع من الاستقلال، وهذا أمر لم يكن له وجود في الزمن الجميل الذي كنا ننتظر من خلاله شهر رمضان بفارغ الصبر لا لشيء إلا لقضاء سهرات رمضانية جميلة بين فناجين القهوة والشاي والنكت وغيرها، من الأمور التي كانت تميز تلك الجلسات بعد أداء صلاة التراويح حيث كان يجتمع كبير العائلة رفقة أبنائه وكل أقاربه يتبادلون من خلال ذلك أطراف الحديث ويتساءلون عن المحتاجين لمساعدتهم، وكذا لتفقد أحوال المرضى في الوقت الذي لم يبق لكل هذه المشاهد أثر بعدما أصبحت الفضائيات تعوض عن كل الجلسات الحميمية. أما السيدة ف.زهيرة، ربّة بيت وأم لثلاثة أطفال، فقد قالت إنه بحكم تغيير الظروف الاجتماعية وغياب الثقة وانتشار الروح العدوانية بين الكثير من الأشخاص والجيران، فإنه بات من الطبيعي أن العائلات تفضل قضاء سهراتها بشكل انفرادي بعيدا عن الجماعات وذلك لكسب راحة البال، خاصة أننا أصبحنا في زمن لا يرحم بعدما طغى الخداع والنفاق والحسد على قلوب معظم الناس وغياب الأمن والأمان، فإنه من الأفضل أن يقضي المرء سهراته الرمضانية في منزله لمتابعة البرامج التلفزيونية والتطلع إلى ما وصل إليه العالم من تطور وازدهار جعلنا نتشوق لتلك الحضارات، التي لا زال الشعب فيها يعيش في خير واطمئنان. لتضيف الآنسة إيناس قائلة ”إنني أرفض كلية الجلسات الجماعية التي يكثر فيها الضجيج والنميمة والخداع وأفضل كثيرا قضاء السهرة ليس فقط وسط المحيط العائلي، وإنما في غرفتي أمام التلفزيون وأحيانا أمام الكمبيوتر وتبادل أطراف الحديث مع الصديقات في الهاتف بعد الاستفادة من الكثير من المكالمات المجانية”... وهي الصور والمشاهد التي أصبحت تتكرر في الكثير من العائلات الوهرانية التي لا تخرج بعد الإفطار إلا للضرورة القصوى سواء الذهاب إلى الحمام ليلا أو زيارة أحد المرضى، وغيرها من الأمور الاستعجالية. وبين سهرات أيام زمان واليوم يبقى رمضان يصنع المشهد بعد الإفطار ولكل شخص ذوقه الخاص في قضاء السهرة أو الخلود النوم.