ارتبطت معظم مناسباتنا الإجتماعية والدينية بالشره الإستهلاكي. ولعل شهر رمضان أحد الأمثلة التي تعزز ذلك، فالواضح للعيان أن نسبة إنفاق الأسرة الجزائرية ترتفع في هذا الشهر بشكل جنوني يتعدى 70 % زيادة عن الإنفاق المعتاد، والدليل على ذلك زيارة واحدة للأسواق والمحلات التجارية تجعل الجيوب فارغة فواقع الأمر أن شهر رمضان قد ارتبط بمفهوم الأكل والإستهلاك الزائد بشكل كبير، إذ تحول شهر الصيام إلى منافسة حامية في البيع والإستهلاك. “الفجر” حاولت التطرق إلى هذا الموضوع الذي أضحى نمطا سائدا في المجتمع المعاصر، أين نجد النظرة المادية و النزعة الإستهلاكية أحد الملامح البارزة دون الإهتمام بقيمة وفحوى المناسبة عند الكثيرين. فلماذا يغلب هذا النمط من التفكير على أسلوب حياتنا التي أضحت أكثر تعقيدا من ذي قبل؟ حمى الشراء خلال شهر رمضان توقع الكثيرين في مطبة الإفلاس أجمع جل من التقت بهم “الفجر” في الشارع القسنطيني أن عملية الإستعداد والتحضير لشهر رمضان تكون عادة عشية الشهر الفضيل بأيام معدودة، وتتجلى عملية التحضير في إقبال جل الأسر على شراء المواد الإستهلاكية بكميات معتبرة ونوعيات مختلفة، حيث تشهد المحلات التجارية والأسواق اليومية ازدحاما لا نظير له، أين ترتفع معدلات الشراء بشكل كبير يتجاوز 70 بالمئة. وترجع أسباب هذا الإقبال الواسع على الشراء، حسب العديد من المواطنين، إلى تخوفهم من الإرتفاع المباغت للأسعار بشكل جنوني خلال شهر رمضان، أين يلجا العديد من التجار إلى المضاربة في الأسعار لتحقيق الربح السريع في ظل عجز أجهزة الرقابة عن تحقيق تغطية رقابية شاملة. ويضيف البعض قائلا “إن المناسبة تفرض عليهم اقتناء بعض المواد الاستهلاكية التي لا يمكن الإستغناء عنها خلال الشهر الكريم بحكم التعود على استهلاكها واقترانها بهذا الشهر على وجه الخصوص مهما ارتفعت أسعارها، على غرار التمر والمكسرات والحلويات”. وباختلاف الأسباب التي تدفع المواطن لزيادة الإنفاق بشكل أكثر من المعتاد خلال بقية أشهر السنة، يقول أحد الأساتذة الجامعيين بجامعة الأمير عبد القادر أن إنفاق الكثير من الأسر يتصف بالتبذير والبذخ، لاسيما أن مائدة الإفطار لا تخلو عند الغالبية من المدعوين من الأهل والأحباب والأصدقاء دون مراعاة القدرة الشرائية، حيث يقع العديد من الأسر، لاسيما منهم ذوو الدخل الضعيف أو المتوسط في مطبة الديون، فقد تقدم ربات البيوت على بيع مجوهراتها أو رهنها لمجابهة الغلاء الفاحش في الأسعار للتمكن من تلبية احتياجات الأسرة الاستهلاكية خلال هذا الشهر، الذي من المفترض أن يتقلص فيه حجم الإستهلاك عن الأيام العادية. وفي هذا الشأن، تؤكد إحدى المرشدات الدينية بمسجد التقوى بقسنطينة أن ثقافة الطعام التي تطغى على يوميات الكثير من الصائمين، الذين ترتفع لديهم النزعة الإستهلاكية بشكل قياسي، تتصف بالشراهة والرغبة في اقتناء كل ما هو معروض للبيع دون تعقل، إنما تدل على قلة الوعي بفوائد الصيام و طبيعة الغداء الصحي الذي يجب اتباعه خلال هذا الشهر بتكلفة أقل تعود على الفرد بفوائد صحية عديدة بغض النظر عن فوائده الروحية، معززة كلامها بقوله صلى الله عليه وسلم: “صوموا تصحوا”، لأنه من خلال الصوم تتجدد خلايا الجسم ويعاد بناء ما تعرض منها للتلف بطريقة آلية. الحل يكمن في ترسيخ ثقافة الإستهلاك الرشيدة تقول أستاذة علم الاجتماع بجامعة قسنطينة، نجاج بلهوشات، أن ارتباط الأسرة الجزائرية بالعادات والتقاليد والقيم الإجتماعية الخاصة بهذا الشهر، مثل إقامة الولائم والموائد الرمضانية، سلاح يقوي حتما الروابط الإنسانية والإجتماعية بين الأفراد و يعزز أواصر التكافل الإجتماعي والعلاقات الطيبة التي حرص ديننا الحنيف عليها، وهو أمر مرغوب فيه إذا تم في إطار الترشيد والإعتدال، غير أن الواقع يؤكد أن هذه العادات غالبا ما تأخذ شكلاً سلبياً، حيث يدفع حب التباهي والتفاخر لدى البعض إلى الإسراف المبالغ فيه وتكديس الموائد بأنواع وكميات كثيرة من الطعام في صورة إسرافية مرفوضة تماما. فمع نهاية الشهر نجد ميزانية الأسرة قد أعلنت الراية البيضاء من كثرة الإنفاق على الطعام والشراب، ما يجعلها عاجزة عن مواجهة تكاليف الحياة العادية لاحقا. وتشير محدثتنا إلى ما تلعبه الدعاية والإشهار، وكذا طرق عرض المواد الغذائية من طرف المحلات التجارية من دور كبير في تعزيز هذه النزعة الإستهلاكية من خلال ما يقدمونه من أصناف وأنواع مختلفة تسيل لعاب الصائمين، فتدفعهم إلى الإقبال على الشراء بنهم دون مراعاة الميزانية، وتضيف مستغربة أن غالبية الناس تشتكي من ارتفاع الأسعار التي لا تتناسب ومدا خيل الأسرة.. غير أننا نجد نهما كبيرا في الشراء والإستهلاك دون مراعاة الآية القرآنية الكريمة:”والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قوامًا”. والملاحظ في شهر رمضان ارتفاع الولع بشراء حاجات لا حصر لها تعتبر في الغالب من الكماليات التي يمكن الإستغناء عنها، فشهر رمضان الكريم أتى مع موسم بدء الدراسة ومن قبله موسم الصيف الذي يعج بالأعراس ومصاريفها الإضافية، وبعده عيد الفطر المبارك، ورغم كل هذا فالكل يحرص علي شراء مستلزمات رمضان قبل أن يبدأ.. وقد صار رمضان شهرا استهلاكيا في كل شيء، ولعل أبسط مثال - تقول محدثتنا - حرص ربات البيوت على تغيير أواني المطبخ قبل حلول شهر الصيام، متسائلة عن أسباب ارتباط شهر التقوى بالنهم و الشره الإستهلاكي لاسيما في الطعام، مؤكدة أن تغيير هذه السلوكيات الخاطئة مرهون بتغيير فكر الأبناء خاصة وتوعية أفراد المجتمع عموما بفوائد الصيام، ملحة على ضرورة تغيير فكر المجتمع المادي المرتبط دوما بالمناسبات الدينية والإجتماعية لما له من تداعيات سلبية على الفرد والمجتمع. الجهل بفوائد الصوم سبب رئيسي في تفشي السلوكيات الغذائية الخاطئة يشدد الأخصائي في الأمراض الباطنية، الدكتور يحياوي عبد السلام، بمستشفى أحمد عروة بقسنطينة، على أهمية أن يعي المجتمع الحكم والمقاصد التي شرع من أجلها الصيام، والذي يهدف إلى المحافظة على صحة وحيوية كافة أعضاء وخلايا الجسم، إذ يعتبر فرصة للشفاء من بعض الأمراض المتعلقة بالجهاز الهضمي والجهاز اللمفاوي، علاوة على تجدد خلايا الجسم أثناء فترة الصوم. ويبين الدكتور يحياوي أن الصوم فرصة عظيمة لراحة المعدة وكذا إراحة الكبد من عناء العمليات اللازمة لهضم الغداء، ليتفرغ بذلك لعملية تنقية الدم من السموم والفضلات العالقة به طوال السنة، بالإضافة إلى تجديد مقدرته على تخزين سكر الطاقة “الغلوكوز” وكذا تجديد بناء خلاياه. وأشار إلى أن أهم الأسباب التي تحقق التوازن للجسم وتقيه من عدة أمراض، اتباع الشخص للنظام الغدائي السليم باعتبار أن المعدة هي بيت الداء، مطالبا بضرورة تكثيف الجهود لرفع نسبة الوعي بين أفراد المجتمع خاصة منهم الشباب وحثهم على اتباع نمط غدائي صحي وسليم، دون الإفراط في تناول الأطعمة المضرة بالصحة، كاللحوم مثلا والسكريات المعقدة التي تضر بصحة الإنسان، معتبرا أن الإسراف أمر مرفوض بكل صوره، ولا يصح أن نفسد شهر رمضان بالسلوكيات الغذائية البغيضة التي تتنافى مع حكمة الصوم والذي يعد نوعا من التهذيب للنفس البشرية الجامحة.