منطقة الساحل على كف عفريت، والمصيبة الأكبر أن دول المنطقة غير واعية بالخطر المحدق بها، وإلا لما كانت قبلت مساومات الإرهابيين واشتراطهم فدية مقابل إطلاق سراح الرهائن. فرغم الانتقادات التي وجهتها الجزائر إلى الحكومة المالية التي أطلقت سراح إرهابيين مطلوبين من القضاء الجزائري، مقابل إطلاق سراح الرهينة الفرنسي بيار كامات، ها هي الحكومة المالية تدوس من جديد على اتفاقيات قضائية ثنائية بينها وبين الجزائر، وتتورط مرة أخرى في التوسط لعقد صفقة الفدية بين الجماعات الإرهابية وبين الحكومة الإسبانية، مقابل إطلاق سراح الرهينتين الإسبانيين هذا الأسبوع، والفدية التي تضاربت الأرقام بشأنها تعد ببضعة ملايين أورو، ستوجه حتما إلى تمويل ما بات يعرف بالقاعدة في بلاد المغرب، وتسليحها وتقويتها، وتمكينها من تجنيد عناصر إرهابية أخرى، والحصيلة ستكون حتما المزيد من الرعب والفوضى وانعدام الأمن في منطقة شمال إفريقيا، كما ستكون دون شك ورقة ابتزاز ومساومة ترفع في وجه دول المنطقة. لو كان الأمر يتعلق بأمن البلدان الأوروبية لما تصرفت فرنسا ولا إسبانيا واخترقت القوانين الدولية التي تمنع دفع مبالغ للإرهابيين مهما كان السبب، لكن الأمر يتعلق بمنطقة الساحل وبأمن شعوبها المستضعفة وغير الواعية بما يتربص بها من مخاطر، وهي مخاطر لا تهدد الجزائر وحدها، وإنما يهدد كل دول المنطقة، وسيستمر التهديد لعقود أخرى، إن واصلت هذه الحكومات الخضوع للإرادة الفرنسية أو الإسبانية، أو غيرها، لأن ألمانيا هي الأخرى سبق ودفعت فدية مقابل إطلاق سراح رهائن ألمان. وما دامت حكومات هذه البلدان لا تهتم بموقف الجزائر الرافض لقبول دفع الفدية للمختطفين مهما كانت الذريعة، لأننا ندرك أن أموال الفدية ستطيل من عمر الأزمة الأمنية في المنطقة، في حين أن المسعى العام هو تجفيف منابع تمويل الإرهاب في العالم حيثما كانت. لكن يبدو أن جيراننا يهتمون لأمن أوروبا أكثر من أمن مواطنيهم وجيرانهم، ولم يؤثر فيهم ما قاسته الجزائر من ويلات على يد الجماعات الإرهابية، مع أن الكل يشهد للجزائر بأنها جار طيب وأمين مع الجميع، بمن فيهم المغرب، رغم الخلاف التاريخي بين البلدين.