في عشرية الثورة كانت السرقة للمال العام مسألة شبه منعدمة.. ومن يفعل ذلك كان مصيره "الشعبة" أو الإرسال إلى القاهرة! وهو المصطلح الذي كان يطلقه الثوار على من تنفذ فيه الثورة حكم الإعدام ذبحا..! كان الإيمان بالثورة والرعب منها هما العاملان الحاسمان في قمع الفساد المالي وحتى الفساد السياسي.. ولذلك نجحت الثورة وانتصرت على أعتى قوة عسكرية في ذلك الزمان! وفي السنوات الأولى للاستقلال ظهرت البذور الأولى للفساد مع سوء التصرف في أموال الصندوق الوطني للتضامن الذي جمعت أمواله من أموال الجزائريين وذهب حرائر الجزائر تحت عنوان إعادة بناء الجزائر.. ولكن أموال الصندوق لهف الفساد بعضها أو جلها! ثم ظهر سوء التصرف والفساد في تسيير ما يسمى بالأملاك الشاغرة.. وهي الأملاك التي تركها المعمرون بعد رحيهلم. بذور الفساد إذن بدأت من هنا.. حيث لم تقم الدولة بقمع مظاهر هذ الفساد الأولى فتحول مع الزمن إلى حالة أقوى من حالة النظام نفسه.. وأصبح نهب المال العام حقا من حقوق المسؤول يمكن أن يضخه إلى عائلته وأقاربه في مرحلة معينة.. ثم تطور الأمر إلى ابتداع طريقة مبتكرة في السطو على المال العام.. وهي سطو المسؤول بالمسؤول الذي يعينه ليسرق به.. فظهرت نظرية الرجل المناسب في مكان المكاسب.. ولكن معارك عديدة وقعت بين المسؤولين السراق حول اقتسام ما سرقوا.. فكان المال المسروق يظهر عندما يختلف السراق حول اقتسام ما سرقوا.. وحالة عبد المؤمن خليفة صورة حية لهذا الأمر.. رغم وجود العديد من أمثال عبد المؤمن خليفة! وتطور الأمر إلى السرقة بالعائلات والأبناء والأصهار.. لأن السرقة بالمسؤولين أصبحت غير مضمونة العواقب! مثلها مثل السرقة بمرسوم والسرقة بقرار والسرقة بقانون..! لكن عين العسس على المال العام فتحت مرة أخرى على ممتلكات وحسابات الأهل والأصهار والأبناء.. وحتى الأحباب فيما يسمى بتتبع علامات الغنى غير المبرر.. حتى أن أحد السراق كتب على باب ما سرقه: "هذا من فضل ربي".. والحقيقة أنه من فضل من عينه بمرسوم على خزائن البلد! لهذا ليس من الصدفة أن الجزائر من أكثر البلدان في العالم التي تتعامل ماليا بالشكارة.. حتى في تمويل الانتخابات! ويبدو أننا أصبحنا في حاجة ماسة إلى المساءلة من أين لك هذا؟! لأن القول "هذا من فضل ربي" لم يعد يقنع أحدا!