دايان بعد حرب 1967: انتصرنا ليهود خيبر ونحن في الطريق إليها إسرائيل تضغط على المجتمع الدولي لاعتبار اليهود العرب لاجئين تستعد إسرائيل، التي استولت على أرض فلسطين التاريخية، للسيطرة على أملاك اليهود العرب الذين أجبرتهم الصهيونية بطريقة أو بأخرى على ترك أوطانهم والعيش في فلسطين، وكم نسجت الصهيونية من صور لخلق الكراهية بين هؤلاء اليهود وأوطانهم الأصلية كوسيلة لإعادة تشكيل نفسياتهم بتشبيعها بالكراهية والحقد على كل ما هو عربي، وتترأس هذه الدائرة الليكودية اليمينية عضو الكنيست، ليئا نيس. ما جديد إسرائيل في هذا المجال؟ الإجابة عن هذا السؤال تطلب فتح ملف اليهود العرب الذي بدأ المختصون في إسرائيل الإعداد له منذ إقامة إسرائيل في ماي 1948 وهاهم الآن يتمترسون وراء ضعف الدول العربية التي تضغط على الفلسطينيين للعودة الى المفاوضات المباشرة مع إسرائيل من أجل أن تفاوض نفسها ويأتي يوم لا يبقى للفلسطينيين بوصة واحدة في القدس أو الضفة يفاوضون عليه، وبالتالي يتم ترحيل من تبقى من الفلسطينيين الى الأردن لتتفرغ إسرائيل لبحث ملف اليهود العرب مع الدول العربية المعنية. قبل أيام استحدثوا في وزارة شؤون المتقاعدين الاسرائيلية دائرة جديدة هدفها البحث عن أملاك اليهود الذين غادروا الدول العربية والاسلامية واستعادتها، ومن بين هذه الأملاك أراض وعقارات وآبار نفط! تكشف صحيفة يديعوت أحرونوت في عددها الصادر في 21 من الشهر الماضي أن عدد اليهود الذين غادروا الدول العربية يبلغ مليونا وهم مصنفون على أنهم لاجئون فقدوا أملاكهم التي تقدر بعشرات المليارات من الدولارات ! والخطوة التالية لهذه الدائرة تتمثل في استعداد هذه الدوائر لتقديم دعاوى قضائية لاستعادة الأملاك في الدول العربية، تماما كما هو الحال بالنسبة لليهود الأوروبيين الذين استعادوا الكثير من أملاكهم في أعقاب الهولوكست. العراق في العقل اليهودي مايزال هو الهدف للثأر من بابل ونبوخذ نصر، فهي في نظرهم الدولة المركزية ذات الحجم الكبير من الأملاك التابعة لليهود الذين كانوا قبل إجبارهم على مغادرته أساس الاقتصاد فيه. ويقدر عدد اليهود هناك ب 130 ألف وتقدر أملاكهم بعشرة مليارات دولار. وبحسب الكشوف الاسرائيلية فإن ربع اليهود العرب الذين هاجروا الى فلسطين هم من المغرب و130 ألف من العراق و120 ألف من إيران و103 آلاف من تونس و55 ألفا من اليمن و20 ألفا من سورية و5 آلاف من لبنان. قائمة أملاك اليهود طويلة وفيها البيوت والحوانيت والمصالح التجارية والحسابات المصرفية والكنس والقاعات ودور المسنين وأغرب ادعاء جاء في هذا المجال هو ادعاء أحد اليهود الإيرانيين أن لديه وثائق تثبت أن جده الذي هاجر من إيران ترك هناك سبعة آبار نفط وبيوتا ومحال تجارية وسيارات. ستطلب الدائرة من اليهود العرب تعبئة نماذج يفصلون فيها املاكهم، وستقوم بجمع الأدلة على تملكهم لتلك الأملاك وبعد ذلك تبدأ عمليات الابتزاز والضغط على الدول العربية المعنية لدفع التعويضات المناسبة، وسيتم المطالبة أيضا بالتعويض عن سحب مواطنة هؤلاء اليهود وسلب حريتهم ومنعهم من الدراسة وحقوق التقاعد وتدنيس قبورهم وفصلهم من أعمالهم، على أن يتبع ذلك اللجوء الى المحاكم لاستعادة الأملاك بصورة غير مباشرة وعبر طرف ثالث. لم يكن تشكيل هذه اللجنة عفويا، بل جاء بشكل مؤسس، حيث وافق الكنيست في 22 فيفري الماضي على قانون تعويض يهود الدول العربية نهائيا من خلال قراءته الثانية والثالثة، وسبق ذلك في العام 2008 تشكيل منظمة يهودية تحت اسم المنظمة العالمية لليهود العرب، التي بدأت على الفور عملية تسجيل اليهود العرب وقيل آنذاك إن المطلوب من الدول العربية دفع 100 مليار دولار لهؤلاء اليهود. وشهدت باريس لقاء شاركت فيه المنظمة العالمية لليهود العرب ومؤسسة العدالة ليهود الدول العربية، إضافة الى ممثلين عن اليهود العرب من تسع دول لوضع التصورات اللازمة لما يجب القيام به في هذا المجال. ملاحقات قضائية القراءات المعمقة لهذا الملف تشير الى أن إسرائيل واللوبي اليهودي الأمريكي سيعملون على استصدار قرارات دولية لملاحقات قضائية لإجبار الدول العربية على دفع التعويضات اللازمة، ولاشك أن كبريات دور المحاماة التي يقودها محامون يهود جاهزون للانخراط في هذه اللعبة التي تكسبهم ذهبا وهم على استعداد للحجز على الأرصدة والاستثمارات العربية في الغرب وما أكثرها، ولن يعيقهم أحد لأن ماكينة الإعلام اليهودية والإعلام المؤيد لهم ستكون معهم وسيرمون العرب بأقذع الصفات وفي مقدمتها.. النازية والعنصرية والإجرام. بساتين خيبر لا تعمل دائرة ليئا نيس منفردة، بل هناك مراكز أبحاث إسرائيلية تنشط في إعداد خرائط لبساتين اليهود في خيبر بالسعودية وكذلك القبائل اليهودية في صدر الاسلام. ففي بدايات سبعينيات القرن المنصرم، أنشأت وزارة العدل الاسرائيلية قسما خاصا لمتابعة وحصر ممتلكات اليهود في الدول العربية التي هجروا منها بالحيلة، وازداد الاهتمام الاسرائيلي في هذا الملف مع اتساع دائرة العلاقات العربية - الإسرائيلية. كثيرة هي القنابل الاسرائيلية وأهمها قنبلة تعويض المهاجرين اليهود من الدول العربية مقابل تعويض اللاجئين الفلسطينيين، خاصة بعد توقيع اتفاقيات أوسلو مع م.ت.ف. وتبين بعد ذلك أن إسرائيل أرادت ابتزاز دول العالم للحصول على أموال تدعي أنها تخص ممتلكات اليهود العرب. البروفيسور الاسرائيلي من جامعة هيرتزيليا غاي قال لزميله الفلسطيني في إحدى الندوات الإعلامية المشتركة: ”لماذا يعترض الفلسطينيون على تعويض المهاجرين اليهود؟ هناك أموال ستأتي من دول العالم لنا ولكم، فهل سنرفضها؟”. شهد شاهد من أهلها وأسئلة البروفيسور غاي حسمت الموقف وهو أن إسرائيل تريد ابتزاز دول العالم للحصول على المال تحت عناوين مختلفة منها تعويضات المهاجرين اليهود العرب بمعنى أنها ليست معنية بحقوق اليهود الشرقيين السفارديم. أحد زعماء الحركة الإسلامية في فلسطينالمحتلة عام 1948 وهو الشيخ عبد الله نمر درويش أيد هذا التوجه بقوله إن غالبية يهود إسرائيل الغربيين الاشكينازيم، وهم لا يقيمون وزنا لليهود الشرقيين السفارديم ويتعاملون مع اليهود العرب بفوقية، ولا يوجد حديث في إسرائيل عن طلب العودة لخيبر والقينقاع على سبيل المثال، وهم يتحدثون عن السموأل كشاعر عربي يهودي من عليّة الشعراء العرب، وهناك مدارس دينية في إسرائيل تتحدث عن خيبر كأملاك يهودية في السعودية، ويقوم ساسة إسرائيل بالاستناد الى ذلك في المفاوضات مع الفلسطينيين للمقايضة من أجل الحصول على أموال التعويض. الشيخ درويش يتعمق في هذا الملف ويقول إن هذا الطرح ليس عاما بل تتبناه مدرسة تابعة لحركة شاس الدينية، في حين أن شاس نفسها لا تتبنى هذا الطرح، لكن جزءا منها يدعو لذلك، إلا أنهم لا يطرحون العودة الى خيبر ويخلص الى أن هذه الفكرة جرى تسييسها مع تزايد الحديث عن حق العودة للاجئين الفلسطينيين. وزير خارجية حماس السابق د. محمود الزهار يدلي بدلوه في هذا الموضوع ويقول إن اليهود لا يتحدثون عن خيبر الا في الخفاء وفي إطار عملية التعبئة الداخلية علما أن الخريطة المرسومة على العملة المعدنية الاسرائيلية لأرض إسرائيل تشمل أجزاء من السعودية والعراق وسيناء ومصر، إضافة الى فلسطين والأردن وسورية ولبنان، وتشير الى خيبر والقينقاع وبني النضير. وزير الحرب الاسرائيلي الأسبق، موشيه دايان، قال بعد انتهاء حرب حزيران 1967 : ”لقد انتقمنا ليهود خيبر ونحن في الطريق اليها”. خبير الآثار الفلسطيني، د. عصام سالم، قال: في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، انتهى عهد اليهود في الجزيرة العربية فهاجر منهم من بقي حيا الى أذرعات جنوب سورية ولم يبق لهم سوى أثر قبلي، فقد امتصهم الاسلام في نهاية المطاف ومعظمهم دخل الدين الاسلامي ومواقعهم اندثرت منذ ذلك العهد، ولكن هناك بعض الرواسب حاليا في فكر حركات يهودية في إسرائيل مثل شاس والمفدال الذين يتطلعون لخيبر. ما هو واضح يشير الى أن الصراع لن ينتهي مع الدول العربية في ظل خيالية يهودية اندثرت منذ أكثر من 1400 عام. فهاهم يهود الجزائر في مؤتمرهم الذي عقدوه في القدس بداية ماي 2005 تحت عنوان ملتقى يهود قسنطينة ومثلو 120 ألف يهودي غادروا الجزائر بعد استقلالها عام 1962 وناقشوا ملف تعويضهم عن ممتلكاتهم التي خلفوها وراءهم وقدروها بنحو 144 مليون دولار، وهددوا باستخدام الضغط الدولي على الحكومة الجزائرية للحصول على تعويضات لنحو 8000 يهودي، فيما تقول الملفات الرسمية الجزائرية أن عدد اليهود في الجزائر حاليا لا يتجاوز 50 يهوديا. وتطالب إسرائيل ليبيا بدفع مليار دولار تعويضا عن ممتلكات يهود ليبيا التي تدعي أن الرئيس معمر القذافي أممها، وذلك بعد أن تعهد نجله سيف الاسلام القذافي في زيارته الأخيرة الى قطر بتعويض يهود ليبيا الذين هاجروا الى إسرائيل وعددهم 30 ألفا، مع ضمان حق عودتهم إلى ليبيا. في دراسة للدبلوماسي الليبي مصطفى أحمد الشعباني بعنوان ”يهود ليبيا : دراسة سياسية وقانونية حول دعاوى المطالبة بالتعويض عن أملاكهم”، وقدم للكتاب د. جمعة عتيقة، يستعرض التحركات الاسرائيلية بهذا الخصوص، حيث بدأت بقيادة الكنيست عام 1999 بدعم من الحكومة الاسرائيلية والتعاون مع المنظمات اليهودية العالمية أبرزها المؤتمر اليهودي العالمي لمطالبة 10 دول عربية، بينها ليبيا بدفع تعويضات مالية لليهود الذين هاجروا الى فلسطين تحت تعرضهم للاضطهاد العربي. وبحسب الشعباني فإن عدد اليهود الليبيين كان بحدود 40 ألف شخص اتسمت علاقاتهم بالشعب الليبي قبل ظهور إسرائيل بالتعاون وبتبادل المصالح، كما كانوا يشاركون في الحياة العامة من خلال عضوية لجان المجالس البلدية والمحاكم الأهلية، وكانت لهم مدارسهم ومعابدهم وكانوا جالية منظمة ارتبطت بعلاقات قوية مع الحركة الصهيونية خاصة بعد زيارة مؤسسها ثيودور هيرتزل الى طرابلس عام 1904 وتأسيس أول حركة صهيونية منظمة بين يهود ليبيا على يد إيليا النحاس عام 1913. يتناول الفصل الثالث من هذا الكتاب أملاك الطائفة اليهودية والادعاءات التي تطرحها جمعية يهود ليبيا بأن اليهود تم طردهم من ليبيا عام 1967 ومصادرة الدولة الليبية لأملاكهم بموجب القانون رقم 84 الصادر في 21/7/1970 الذي نص على حقهم في التعويض ويبلغ هذا التعويض بالأسعار الحالية نحو 75 مليار دولار يتوجب على الحكومة الليبية دفعها لليهود كما جاء في ادعاء اليهودي عميرام عطية. توقيع معاهدة كامب ديفيد لم يشفع لمصر بل تعمقت مشاكلها وبدأ اليهود المصريين يبحثون عن أملاكهم وبيوتهم تحت شعار المؤتمر الذي دعا اليه بعض اليهود من أجل الوصول الى السجلات التي تحوي كل المعلومات عن اليهود وأسمائهم وكذلك عقود الزواج والطلاق وشهادات الوفاة ليتمكنوا من استخدامها في الضغط على مصر. ومن أجل ذلك عقدوا مؤتمرا في صيف عام 2006 لبحث استعادة أملاك اليهود المصريين، لكن رئيسة الطائفة اليهودية كارمن آينشتاين أعلنت رفضها لمثل هذه المطالبات وأكدت أن هوية الطائفة مصرية وليست إسرائيلية وأن هذه الطائفة لا ترتبط بإسرائيل لا من بعيد ولا من قريب وأنها رفضت الهجرة الى إسرائيل قبل 50 عاما ومايزال أفرادها يرفضون حتى زيارتها. الأمر لا يتوقف عند مطالبة اليهود بممتلكاتهم في مصر، بل تعداه الى مزاعم بامتلاك الأملاك العامة، وعمدوا الى نشر أقاويل بأنهم هم البناة الحقيقيون للأهرام ولا يغيب عن البال ما قاله رئيس وزراء إسرائيل الأسبق مناحيم بيغين للسادات عقب توقيع كامب ديفيد بأن أجداده ساهموا في بناء الأهرامات وأنهم سيطالبون بجزء من ريعها، ورد عليهم وزير الثقافة المصري فاروق حسني بالقول إن اليهود لم يشاركوا في بناء الأهرامات لأنه لم يكن مسموحا لأتباع الديانات الأخرى غير ديانة الفرعون بالمساهمة في بناء الأهرامات المقدسة، وأكد أن علماء الآثار الأوروبيين، أما ما يتعلق بوجودهم غرب أسوان فإن اليهود دخلوا مصر مع سيدنا إبراهيم وغادرها بعضهم بعد هزيمة الهوكسوس، وبالتالي لم يكن لهم دور يذكر في الحضارة الفرعونية. عند تقليب ملفات اليهود في مصر نجد أنه حتى كتبهم تقول أن خروج اليهود من مصر عقب ثورة يوليو وتحديدا عام 1956 طواعية، وأن مصر لم ترغمهم على ذلك، بل هم الذين فضلوا بيع ممتلكاتهم والهجرة بمحض إرادتهم. كثف اليهود هجرتهم من مصر بعد فضيحة لا فون الشهيرة عام 1955، حيث حاول الموساد الاسرائيلي ضرب العلاقة بين مصر والدول الأوروبية عن طريق إظهار السلطة المصرية بأنها عاجزة عن حماية مصالحهم وكان عدد اليهود آنذاك 145 ألف يهودي قام الموساد بتهريبهم مع أموالهم عن طريق شبكة جوشين السرية التى كانت تتولى تهريب اليهود المصريين إلى فرنسا وإيطاليا ثم إلى إسرائيل، لكن هجرتهم الكبرى كانت عام 1961 بعد التأميم حيث فروا بأنفسهم وأموالهم. يقول د. محمد أبو الغار في كتابه ”يهود مصر.. من الازدهار إلى الشتات” إن يهود مصر عندما قويت شوكة إسرائيل تحول بعضهم الى الصهيونية وبدأت هجرتهم إلى إسرائيل، علما أن ثورة عبد الناصر عام 1952 كانت حريصة على طمأنة اليهود والحفاظ على أمنهم وممتلكاتهم. الغريب في الأمر أن الجمعيات اليهودية نشطت في هذا المجال مع قبول العرب التفاوض مع اسرائيل وبعد احتلال العراق عام 2003 ظهرت جمعية يهودية اسمها شميس - شالوم فشيلوميم وتعني بالعربية شمس - سلام وتعويضات وقدمت التماسا باسم اليهود العراقيين للمطالبة بتعويضات تتراوح ما بين 10 - 20 مليار دولار وهم يأملون أن تقوم شخصيات عراقية نافذة بحل هذه المعضلة في العراق. المراوغة الإسرائيلية في هذا المجال انكشفت عام 2006 عندما بدأت إسرائيل تضغط عالميا لاعتبار يهود الدول العربية لاجئين في الصراع العربي الإسرائيلي وتقود هذا الضغط منظمة العدالة ليهود الدول العربية وهي تحالف مقره أمريكا للمنظمات الهودية وتهدف الى تسجيل شهادات اليهود الذين تقول إنهم فروا من اضطهاد العرب ويقدر عدد الذين وجهوا لإسرائيل بنحو 600 ألف فيما توجه الى أوروبا وأمريكا نحو 300 ألف من اليهود العرب. وتقدر المنظمة العالمية ليهود الدول العربية ممتلكات هؤلاء اليهود بنحو 100 مليار دولار، وتعمل منظمة العدالة مباشرة مع وزارة العدل الإسرائيلية التي تجمع الشهادات لهؤلاء .