أطلق، أول أمس، رئيس المجلس الشعبي الوطني، عبد العزيز زياري، رصاصة الرحمة على مشروع قانون تجريم الاستعمار، الذي ظل حبيس مكتب البرلمان لفترة طويلة، حيث شكلت تصريحاته على أمواج الإذاعة الوطنية، ضربة قاصمة للأحزاب التي أعلنت دعمها للمشروع، وبخاصة حزب جبهة التحرير الوطني صاحب المبادرة، وضرب موقفه في الصميم حمس تعبر عن أسفها والإصلاح تدعو زياري إلى مراجعة تصريحاته سارع حزب جبهة التحرير الوطني، من خلال رئيس المجلس الشعبي الوطني، إلى التراجع عن مواقفه المعلنة تجاه مقترح قانون تجريم الاستعمار، منذ إيداع المقترح، سواء على مستوى البرلمان، أو قيادة الحزب، وما أدهش الجميع هو أن الموقف يأتي من حزب عتيد طالما ربط هويته ومصيره بتاريخ الجزائر، وثورتها العظيمة وقيمها، كما أن رئيس المجلس استبعد وبشكل واضح أي دراسة للمشروع خلال الدورة الحالية أو الدورة القادمة، أي خلال الفترة المتبقية من رئاسة الحزب للهيئة التشريعية، حيث لم يقنع ربطه للمشروع بمسائل دبلوماسية وقانونية هي من صلاحيات رئيس الجمهورية، ما دام أم المشروع صادر عن الأفالان وتم قبوله على مستوى المكتب. كما جاء ذات الموقف على لسان نائبه بالبرلمان صاحب المبادرة، موسى عبدي، للسير على خطى تصريحات رئيس الغرفة السفلى، عبد العزيز زياري، بعد أن بدا التراجع عن الفكرة واضحا خلال تصريحات النائب الأفالاني موسى عبدي، لقناة “الجزيرة”، حين قال “إن فكرة تجريم الاستعمار حاليا تحتاج فعلا إلى المزيد من التريث والتفكير قبل تجسيدها على أرض الواقع”، وتعذر علينا الاتصال بالمعني للاستفسار عن جديد مقترحه وتصريحات عبد العزيز زياري، “بسبب وفاة أحد أقاربه”، كما لم يرد الناطق الرسمي باسم حزب جبهة التحرير الوطني على اتصالاتنا المتكررة. وأراد موسى عبدي، من خلال حديثه لقناة “الجزيرة”، إعطاء الانطباع بأن المشروع لم يتم التخلي عنه بصفة نهائية، على الأقل من طرف حزب جبهة التحرير الوطني، حين أوضح بأنه شخصيا يتوقع أن يتم إقرار مشروع القانون قبل نهاية العهدة التشريعية الحالية. من جهتها، وصفت حركة الإصلاح الوطني، التي تعتبر من المساندين بقوة لمشروع القانون، تصريحات عبد العزيز زياري، ب”الغريبة والمدهشة”، بخصوص عدم برمجة المشروع للمناقشة، وأشارت إلى أن رئيس المجلس الشعبي الوطني، لم يعمل بالقانون العضوي المنظم للعلاقة بين البرلمان والحكومة، حين لم يحول مقترح القانون إلى المناقشة بعد دراسته من طرف الهيئة التنفيذية. ودعت الحركة، في بيان تلقت “الفجر” نسخة منه، عبد العزيز زياري، إلى التراجع عن تصريحاته التي أطلقها، و”أن يطبق القانون في مثل هذه الحالات، ويسفه بذلك أقوال المدعي بيرنار كوشنير، وأزلامه، الذين راهنوا على عدم اقتناع نواب الأمة بهذا المشروع السيادي، وإلا فإن العكس هو الأصوب”، حسب ما جاء في ذات البيان. وتحدت حركة الإصلاح، رئيس المجلس الشعبي الوطني أن يقدم ردا كتابيا لأصحاب المبادرة حول “هذا الرفض”، وعلى رأسهم نواب حركة الإصلاح، وأوضحت أن الهدف من المشروع لم يكن من أجل الابتزاز السياسي أو الاستهلاك الانتخابي. ودعا البيان باقي التشكيلات السياسية إلى اجتناب السكوت غير المبرر بعد تصريحات زياري، المتناقضة أصلا مع تصريحاته السابقة، كما ألح البيان على الكتل البرلمانية “ضرورة تسجيل مواقفهم وتمرير المشروع والخروج من دائرة الاتهامات، بالعجز والبرودة السياسية”، التي حاولت الإدارة الفرنسية إلصاقها بنواب الأمة عشية الإعلان عن المشروع. وفي السياق ذاته، دعت حركة النهضة، مكتب المجلس الشعبي الوطني إلى أن يقدم استقالته بعد أن صادر حق النواب في العمل البرلماني، ورفضه برمجة مقترح قانون تجريم الاستعمار، ورأت أن مكتب المجلس الشعبي الوطني، الذي يمثل أحزاب التحالف والمعارضة على حد سواء، “قد انخرط في أجندة لخدمة وتحقيق حلم وزير الخارجية الفرنسي، برنار كوشنير، الذي شكك في مقدرة البرلمان الجزائري على تمرير القانون”. وقال نائب الحركة بالمجلس الشعبي الوطني، محمد حديبي، في تصريح ل “الفجر”، إن “تصريحات زياري كانت مفاجئة ولم ينتظرها الشعب الجزائري على الإطلاق”، مشيرا إلى أن مؤيدي المشروع، وعوض أن يصلهم رد كتابي من رئيس المجلس، عبد العزيز زياري، “فإذا به يكون شفويا وعبر وسائل الإعلام”، موضحا بأن تصريحاته تعبر عن رمي المنشفة أمام رئيس الجمهورية، وأنها قمة التهرب من تحمل المسؤولية. واعتبر المتحدث أن توقيت التصريح يطرح العديد من التساؤلات، خاصة وأنه تزامن مع سلسلة من الزيارات التي قام بها مسؤولون فرنسيون إلى الجزائر مؤخرا، ما أوحى وأعطى الانطباع بأن التصريحات التي أدلى بها زياري، لم تصدر في جو من الحرية، “بل صدرت تحت جو من الضغوطات الأجنبية”، وقال إن الاعتبارات الدبلوماسية السياسية والقانونية التي تحدث عنها زياري، لا أساس لها من الصحة، بل هي تعبير عن حالة من سياسة الهروب إلى الأمام، تحت مبررات واهية، موضحا أننا “لم نستفد إطلاقا من الدرس التي أعطته إيانا ليبيا في الوطنية مع الاستعمار الإيطالي”، حيث أكد على أن الاعتبارات التي تحدث عنها زياري “لا تعدو أن تكون اعتبارات شخصية وفقط”. من جهة أخرى، تأسفت حركة مجتمع السلم، عضو التحالف الرئاسي، بدورها على تصريحات عبد العزيز زياري، ورأت أن الخطأ الكبير كان في عدم برمجة مشروع القانون في الدورة الربيعية السابقة، وذلك نظرا للظروف التي كانت ملائمة حينها وطبيعة المشاكل العالقة بين الجزائر وفرنسا، وأشارت إلى أنها تنتظر الدورة المقبلة للبرلمان لإعادة بعث القضية، رغم تصريحات زياري. وقال رئيس الكتلة البرلمانية للحركة، أبو بكر سعيد، في اتصال مع “الفجر”، إن “حمس”، تجدد مطلبها القاضي ببرمجة القانون في أقرب وقت ممكن، موضحا بأسف “عجزنا عن برمجة قانون للمناقشة في برلمان بلدنا، في حين صار أبناء الاستعمار يمجدون جرائم أسلافهم”. وقد حاولنا الاقتراب من الأحزاب السياسية الأخرى لتحسس مواقفها من تصريحات زياري الأخيرة، إلا أننا لم نتمكن من ذلك.