أصبحت اهتمامات الكثير من نساء تندوف، لا زسيما الحرفيات في فن نسج الخيام التقليدية الوبرية، متزايدة في ظل غياب أي مبادرة حقيقية لدعم وبعث إعادة صناعة الخيمة التي كانت وما تزال أهم مكونات التراث الثقافي المحلي لسكان تندوف وقد لمسنا ونحن بصدد إعداد هذا الروبورتاج رغبة كبيرة لدى نساء تندوف خاصة القاطنات بحي الخنكة، وهو من الأحياء التي تمجّد بشكل كبير تواجد الخيمة، لكن قلة الإمكانيات والدعم حال دون تطور صناعتها. تقربت “الفجر” من بعض المهتمات بصناعة الخيمة الوبرية واستمعت إلى انشغالاتهن التي تتجلى في توفير مادة الصوف أو “الوبر” ووسائل النسيج التقليدية ووفرة مالية لتدعيم الشغيلات في هذا النوع من الحرف الغائب الحاضر. مكانة الخيمة في أثاث أهل تندوف القديم تعتبر الخيمة أول مسكن عرفه الإنسان بتندوف وقد رافقتهم في ترحالهم، والملفت للانتباه أن هذا المسكن الخفيف الحمل بدأ يؤول إلى الزوال، واختفى ظهوره الدائم ما عدا في المناسبات والأعياد، حيث تتربع الخيمة بكل كبريائها في وسط ساحة عمومية وتنصب من طرف الرجال والنساء، كما أن هناك أشياء كثيرة ترافق بناء الخيمة هي الأخرى اختفت من واقع أهل تندوف الحالي، لا سيما بالمدن بينما بقي التمسك بها ماثلا لدى سكان الأرياف وتمثل أهم ما في الأثاث المحمول على ظهور البعير، ولها مستلزمات لا بد من حملها على ظهر الجمل.. كل ذلك توارى عن الوجود وأصبح في خزائن ذاكرة سكان تندوف وحسب. تركيبة الخيمة التندوفية صناعة الخيمة حرفة تقليدية أصيلة في تاريخ أهل تندوف، والحديث عن تركيبها يوجب المرور حتما على المادة التي تدخل في صناعة الخيمة، وهي وسائل مستوحاة من الطبيعة والحيوان، فمن الوبر تصنع الخيام حيث يتم إعداده، أي فتله، والعملية تكلف بها جماعة من النساء يجتمعن على التويزة وقد تدوم العملية بضعة أشهر. ومنها يعد الفليج، الوحدة الأساسية في صنع الخيمة، أي “اللبنات” التي تستعمل في البناء العصرين غير أن الفليج يصنع من الوبر ومختلف بقايا الشعر، ولكي تنجز خيمة كبيرة لا بد عليك من 20 فليجا، وهو أمر تراه المختصات في صناعة الخيمة ضروريا، فكلما كانت الخيمة كبيرة كلما كان أهلها وساكنيها من كبار القوم وسعتها تدل أيضا على الكرم والجود. وترى سكان تندوف القدامى يفضلون الخيمة الواسعة على الضيقة لأن الأولى تستقبل أكبر عدد من الضيوف أي “الخطار”. وتأخذ خيمة أهل تندوف اللون الأسود الداكن، وترفع عادة بالأعمدة، ولها بابان وأربعة خوالف وهي الأطراف التي تثبت في الأرض بواسطة حبال مثينة، وتسمك أي ترفع إلى الأعلى بعمود طويل يكون من شجرة الطلح أو الاتيل. “الفجر” في ضيافة خيمة أهل تندوف حضرت “الفجر” عملية نصب خيمة تقليدية ببادية تندوف، والتي لم تستغرق بضع دقائق حتى انتصبت الخيمة عاليا. وتعبر وقفتها، حسب أحدهم، مثال للشهامة وتعبير عن التمسك بعادات وتقاليد القدامى، لكنها اختفت الخيمة من تراثنا ولم تعد ترى إلا في المناسبات. وتبلغ مساحة الخيمة 20 ذراعا وهي خيمة “العار” كما تقول الأم السالمة، إذ تبدأ رحلة السالمة التي عاشت حياتها كلها بالبادية على صناعة الخيمة أي المسكن، بجمع الوبر وتدوم العملية عادة 6 أشهر تقريبا حسب توفر الإمكانيات وملاءمة الظروف المناخية، بعد ذلك تقوم وجاراتها وأقاربها بغزل ما تم جمعه من الوبر بواسطة التويزة وهي نموذج للعمل الجماعي، وتستعمل أدوات ووسائل تقليدية منها المغزل آلة مصنوعة من الخشب، وتقوم السالمة في مرحلة لاحقة بتسدية الوبر والخيوط الرقيقة المتحصل عليها من عملية الغزل. وتعتبر المرحلة الهامة والمتقدمة في تحضير الخيمة انطلاقا من الفليج إذ يتم نشر الوبر على الأرض بأوتاد من الحديد وبواسطة رزمة من الوبر والشعر، وتمثل “المدرة” الوسيلة الهامة في عملية “النجز” أي النسيج إضافة إلى “الصوصية” يحصل من خلال العمليات المتناسقة والتي يدور خلالها حديث النسوة وسمرهن على إيقاع الشاي التقليدي. وبعد أن تكون الخيمة جاهزة تستعمل الأمهات في البناء والرفع بواسطة الركائز وهي أعمدة خشبية طويلة تسند عليها الخيمة. ولكل خيمة منجزة بابين اثنين مرفوعين بأعمدة ومدخل مرفوع بعمود يدعى “المسمك”، وتستعمل أدوات أخرى في خياطة الخيمة منها المخيط والكبة وتعني كومة من الوبر. فراش الخيمة الوبرية التندوفية يتكون فراش الخيمة من الحصائر وهي أفرشة تقليدية تقوم النسوة بإنجازها بطريقة جماعية. ومن أبرز ما تحتويه الخيمة المنصوبة هو “الرحل”، وهو عبارة عن طاولة خشبية ذات أربع أرجل ومزينة ومشدودة بألياف جلدية رقيقة تدعى “السير”، وظيفتها حمل الأثاث والأفرشة وغيرها. كما تقوم النسوة بوضع ستائر من القماش وهي على شكل ديكور من بقايا القماش والأفرشة الرّثة الهدف منها حجب أشعة الشمس الحارقة وإبعاد الضوء ومنع الزوابع الرملية وتسمى تلك الستائر ب”كفية”. إضافة إلى الخيمة الوبرية، عرف سكان تندوف في الماضي نوعا آخر يدعى “البنية” وهي على شكل خيمة مشكلة من القماش الأبيض تخصص لإيواء العريس بالقرب من “الفريق” وهو الحي لدى سكان البادية. طي الخيمة التندوفية وترتبط الخيمة أصلا بحياة التنقل والترحال فنقلها غير مكلف ولا يستدعي ذلك مشقة أو متاعب. تقول إحدى البدويات “إن طي الخيمة أمر سهل ويسمى عندنا “التكراس” أي جمع الخيمة ومكوناتها وطيها حتى تصبح كالكتاب، وذلك قصد تسهيل وضعها على ظهور الإبل. ورغم مكانة الخيمة في تاريخ سكان تندوف إلا أنها تكاد تختفي كلية من عاداتهم وتقاليدهم، لا سيما لدى سكان المدن بعدما اختار الكثير منهم مساكن الإسمنت، غير أن ذلك يختلف بالنسبة لسكان البادية فهم يفضلون السكن في الخيمة عن المدن، وهذا ما قاله لنا أحد سكان قرية حاسي لخبي “إنني أتضايق عندما أنام في بيت من الإسمنت. اخترت الخيمة لأني أرى منها الضوء والشمس والقمر والسماء”. وحاليا أصبحت الخيمة الغائب الحاضر في أدبيات أهل تندوف ويفضل الكثيرون استعمال خيم من القماش أو خيم على شكل الكتان الخشن التي يطلق عليها محليا اسم “القاعة” وهي ذات الشكل المربع وهذا يختلف عن شكل الخيمة المثلث أو الهرمي. ومهما بلغ سكان المدن من التحضر والحداثة وسعة المساكن الحضرية وما تعرفه من ديكور وهندسة معمارية لها علاقة بتراث المنطقة، إلا أن الخيمة تظل أول بيت سكنه أهل تندوف وبقيت رغم هجرها حاملة لآمالهم وذكرياتهم وتحت سقفها تصالح الأقوام وتقام الأفراح، كما كانت تقام بجانب الخيمة ألعاب تقليدية كثيرة من طرف الرجال ك”ظامة” وتلك الخاصة بالنساء ك”السيق”. ونحن نغادر حي الخنكة الشعبي تعالت أصوات الراغبين في إعادة بعث صناعة الخيمة من جديد، وهو الأمل الذي يراود أمهات لهن خبرة طويلة في صناعة النسيج وقادرات على فتح مجال التمهين وتعليم الحرفة للراغبات من الشابات العاطلات عن العمل.