عندما تأسس منتدى الإعلام الثقافي منذ فترة استبشرنا خيرا بالبرنامج الواعد الذي تبناه صحافيو الأقسام الثقافية الذين بادروا إلى إطلاقه ليكون فضاء لطرح قضايا ومشكلات الصحافة الثقافية في بلادنا، أملا في الوصول بها إلى المستوى المنشود حتى تتمكن من تجاوز مآزقها لن أجازف هنا بإطلاق أحكام على الإعلام الثقافي قد يتبين فيما بعد بأنها مجانبة للحقيقة أو أنها ظالمة ومجحفة، لذلك سأكتفي ببعض التساؤلات والحقائق القابلة للمساءلة والنقاش الذي نعول عليه لإثراء هذا الموضوع الهام .. بداية، هل ثمة بالفعل إعلام ثقافي بالمعنى الصحيح للكلمة، يشكل ظاهرة جديرة بالدراسة والتأمل حقيقة؟ وما هي المساحات والفضاءات الممنوحة للمحتويات الثقافية في الصحف وفي الإذاعات وفي التلفزة بما من شأنه أن يلبي حاجات المتلقين، علما أن التثقيف هو إحدى الوظائف الأساسية والمهام المنوطة بالإعلام، كما أن الصحافة في البداية جاءت نتيجة للطفرة الثقافية من أجل تلبية الحاجات الثقافية المتزايدة، لاسيما في العالم العربي، حيث نشأت في رحم الأدب والثقافة وكل الأدباء والكتاب كانت لهم مساهماتهم في الصحافة الثقافية التي كانت أهم روافد التنوير وتثقيف وتشكيل الوعي، بما كانت تنشره من مقالات لكبار الكتاب في صحف ومجلات كانت تخصص حيزا كبيرا للفكر والمعرفة. هل الصحافيون العاملون في الأقسام الثقافية مؤهلون حقا للكتابة في الشؤون الثقافية التي تعج بها الحياة الثقافية محليا وعالميا؟ وهل يملكون الحد الأدنى من التكوين والحرفية والأدوات ما يجعلهم قادرين على عرض صحيح حول كتاب أدبي أو علمي أو تقديم فيلم أو قراءة لوحة تشكيلية أو عمل مسرحي في عصر يكاد يتجه نحو التخصص؟ أم أن ما يقدمونه ليس أكثر من مادة جاهزة ومستنسخة في كثير من الأحيان تتسم بالسطحية نتيجة افتقادهم للجدية والزاد الفكري والمعرفي الذي يحتاج إليه صحافي الصفحة الثقافية الذي يجب أن يكون على قدر من الثقافة والإلمام بما هو ضروري لمزاولة مهنته بالحد الأدنى من الدراية والاقتدار ؟ ما الذي يمنع صحافيا من تثقيف نفسه بالمطالعة والإطلاع المستمر من أجل توسيع مداركه وإثراء معارفه واكتساب مهارات الكتابة في الشؤون الثقافية المختلفة في وقت أصبحت فيه كل إمكانات المعرفة متاحة أمام الجميع؟ ما الذي يجعله يتحول من باحث عن الحقيقة، معرفة وجمالا، إلى باحث عن الفضيحة والنميمة بشكل لا يختلف عن مشاغل الصحافة الصفراء؟ وهو ما يقودنا إلى الحديث عن أخلاقيات الصحافة الثقافية التي يفترض فيها أن تكون بمنأى عن كل أشكال التزييف والتدليس، منتصرة لقيم الحق والخير والجمال، بعيدة عن المهادنة أو المداهنة أو محاولة تكريس الرداءة بكل أشكالها، فهي المسؤولة عن تشكيل الصور الذهنية للمتلقين عن هذه الظاهرة أو تلك أو عن هذا الكتاب أو ذاك الفيلم. فكم من أثر جميل ظلم إعلاميا، وكم من كاتب بليد حولته الصحافة إلى نجم لا يشق له غبار .. هذه الأسئلة وغيرها من الأسئلة التي تفرزها تجربة الصحافة الثقافية عندنا تحتاج إلى مشاريع إجابات أتمنى أن أجد لها صدى في قراءة القارئين وكتابة الكاتبين، ولنا عود إلى الموضوع.. أحمد عبدالكريم