ملتقى آخر لكتابة التاريخ عقد أمس في نادي الجيش ببني مسوس، وهو الملتقى "نون"، حسب تعبير الرياضيين، فمنذ وعيت وأنا أحضر ملتقيات وندوات ومؤتمرات حول كتابة تاريخ الثورة، بل شكلت ورشات لكتابة تاريخ الثورة أيام الحزب الواحد بداية الثمانينيات، ومع ذلك مازال الإشكال قائما، ولم نتوصل إلى نتيجة تذكر. التاريخ، حسب ما عرفه ابن خلدون، علم قائم، معروفة وسائله وأساليب بحثه، لكننا هنا في الجزائر غرقنا أو أُغرقنا في خلافاتنا حول الأحداث التاريخية، وحول أحداث الثورة التحريرية تحديدا، فحالت صراعات الأشخاص والجهات والمصالح دون تدوين ولو جزء من الحقيقة، وطغت العاطفة على النقاش، فتحول إلى جعجعة بدون طحين! هل التاريخ يكتبه دائما المنتصرون؟ سؤال قد يفشل ملتقى بني مسوس في الإجابة عنه، لأننا انتصرنا في ثورتنا على فرنسا، لكننا لم نعرف حتى الساعة الطريق التي توصلنا إلى التصالح مع ذاكرتنا ومع ماضينا.. قد تكون الشقاقات التي زرعها المعمر وسط المجتمع الجزائري مازالت تنفجر من حين لآخر مثلما تنفجر حقول الألغام التي دفنتها تحت التربة وتودي بحياة الجزائريين، هي من شوشت على صفاء ذهن المهتمين بتاريخ الجزائر بصفة عامة وبتاريخ الثورة بصفة خاصة. لكن فرنسا هي الآن من يكتب تاريخنا، مع أنها هي من انهزمت وانسحبت، لكنها تملك الأرشيف والكثير من الحقائق مازالت تستعملها في ابتزازها السياسي، في حين تمنعنا من الوصول إليها لأننا لم نبلغ حد النضج العلمي في نظرها وبالتالي لن نعرف كيف نستغل هذا الأرشيف المشكوك في أمره، لأنه أرشيف الإدارة الفرنسية والعدالة الفرنسية، ومن يدري قد يكون هو الآخر ملغما، يحول المناضل الوطني إلى عميل والعميل إلى مجاهد! ويكتب بناء على ذلك تاريخنا مشوها مثلما تريده فرنسا فتصاب الأجيال القادمة بانفصام في الشخصية ويعم التشكيك في الهوية. وتواصل سموم المستعمر مفعولها، مثلما حدث مع الأرشيف الذي اعتمد عليه الدكتور سعيد سعدي في كتابه الأخير "عميروش.. ميتتان ووصية". فرنسا قالت: لنترك الماضي للمؤرخين ولننظر إلى الحاضر، لأنها تعرف ما تريده منا: ثرواتنا البشرية والطبيعية، ونحن لا نعرف ماذا نريد، ندور فقط في حلقة مفرغة وندوات لا تنتهي!