الانتخابات الأمريكية الأخيرة شكلت تضاريس سياسية تستأثر بالاهتمام والتأمل. الديمقراطيون تعرضوا إلى واحدة من أقسى الضربات في تاريخهم المعاصر. الجمهوريون حققوا الغالبية الأعظم منذ أربعينيات القرن الأخير. رئاسة مجلس النواب تعرضت لأسرع عمليات تبادل في غضون السنوات الأربع الأخيرة. نتائج الانتخابات تشكل أكبر نكسة في مسيرة باراك أوباما منذ صعوده من شيكاغو حتى بلوغه البيت الأبيض. ثمة بون شاسع بين ألق الديمقراطيين في أكتوبر 2008 وعتمة انكسارهم في نوفمبر 2010. موجات النزوح من المعسكر الديمقراطي الخانق إلى رحاب الجمهوريين أحدثت هذه التضاريس السياسية. الهجرة الجماعية ناجمة عن الإحباط المستفحل في ظل الإخفاق الاقتصادي. باراك أوباما رجل غير محظوظ. أعباء الأزمة الاقتصادية أكثر ثقلاً من معالجاته البطيئة. البطالة لا تزال جاثمة على صدر المجتمع الأمريكي إذ تحوم نسبتها حول 15%. الرجل الأسود فقد وهجه يوم دخل التاريخ عبر بوابة نادرة كأول ملون في البيت الأبيض. نتائج الانتخابات فتحت السنتين المتبقيتين من ولاية أوباما على حرب سياسية ضروس. نداء التعاون المرفوع من قبل أوباما لن يلقى أذناً لدى الجمهوريين. هؤلاء قادمون بأغلبيتهم الاستثنائية من أجل الثأر المدمر. الجمهوريون معززون بأنصار حزب الشاي. هؤلاء المحافظون القدامى لهم عداءات تقليدية مع الديمقراطيين لن يسمحوا بمثل هذا التعاون. الجمهوريون غير مهيئين للقطيعة مع حفل الشاي الساخن. الجمهوريون يستهلون بعد الأغلبية النيابية فتح معركة انتخابات الرئاسة في 2012. استرداد البيت الأبيض يمثل الغاية الجمهورية المبتغاه. تلك أمنية يتم من أجلها عرقلة الأجندة الديمقراطية على مدى ما تبقى من رئاسة أوباما. لدى الرئيس قائمة طويلة من القوانين قيد الإدراج بغية تمريرها عبر مجلسي الكونغرس. من المؤكد ألا يمنحها الجمهوريون الضوء الأخضر. ربما لا يكون أوباما نفسه صادقاً في نداء التعاون إلى الجمهوريين. الرئيس الأمريكي يعول عادة على الشارع حينما يصطدم بأحد المجلسين إزاء قضية حيوية إبان ولايته الأولى. الهيمنة على مجلس النواب أو الشيوخ لا تحدد مصير الولاية الرئاسية الثانية غالباً. رونالد ريغان تجاوز عقبة الأغلبية النيابية الديمقراطية واحتفظ ببقائه داخل البيت الأبيض في العام 1982. بيل كلينتون تفوق بدوره على الأغلبية الجمهورية في العام 1994 وفاز بولاية رئاسية ثانية. التحدي الجوهري أمام باراك أوباما تمثل في الخروج من ظل الأزمة الاقتصادية. إدارته اتخذت إجراءات ربما أدت إلى كبح أسوأ ضائقة منذ ثلاثينات القرن السابق. تلك إجراءات لم تسترد الحلم الأمريكي. هذه غاية يقترب منها أوباما كلما ارتفع معدل النمو وانخفضت نسبة البطالة. في المنظور الإيديولوجي ربما ذهب أوباما عبر رؤاه السياسية لجهة يسار الوسط. رغبته في البقاء أولاً ومن ثم في التعاون مع الجمهوريين تجبره على التراجع إلى الوسط. هذه لا تشكل كلفة باهظة لسياسي براغماتي في بلد محافظ. ثمة مسألة ذاتية ترتبط بشخصية أوباما، الرجل فقد في ضوء نتائج الانتخابات النيابية صورة المنافس الجسور العنيد حينما ظهر قبل سنتين. تباين صارخ بين الوعد بالتغيير والوفاء بالوعد. هذه صورة يعززها بهتاناً أو بريقاً المرشح الجمهوري المرتقب للرئاسة. الجمهوريون المنتشون بالفوز الأخير لم يفتحوا بعد ملف مرشحهم الرئاسي. هم يستهدفون مرحلياً إرباك أجندة أوباما. ورقة الديمقراطيين الرابحة تتبلور في احتفاظهم بأغلبية - رغم هشاشتها - في مجلس الشيوخ. الرئيس يحتفظ كذلك بورقة الفيتو. الورقتان تشكلان مصداً ضد فرض أجندة جمهورية على الرئيس. بقلم: عمر العمر