تعيش الأسواق الجزائرية بمختلف أنواعها حالة من الفوضى والمضاربة في الأسعار، لم يسبق لها مثيل من قبل، رغم أن الحكومة قد رأت ذلك، فإنها لم تأخذ الوقت الكافي للوقوف عندها وتحليل ظاهرة الزيادات المفاجئة في مختلف المواد الأساسية. ولعل القراءات الأولية لهذا الأمر ممارسة احتكارية والجزائر ستخضع للتبعية الغذائية على مدى 50 سنة تجعلنا نخلص إلى أن الزوالية لم يعد لهم مال ينفقونه على مثل هذه المواد التي سترتفع إلى أقصى درجة بحلول السنة الجديدة، بعد أن انتقلت عدوى ارتفاع أسعار الحليب والزيت والأجبان إلى مواد غذائية أخرى كالبقول والسميد والعجائن.. حتى القهوة وصل الكيلوغرام منها إلى 650 دج، هذا ما يشغل يوميات المواطن الذي بات يلهث وراء علبة طماطم فاسدة بقي على صلاحيتها ساعات قليلة فقط، لتحقيق أدنى احتياجات أسرته البسيطة.حذّر العديد من المختصين من استمرار ارتفاع أسعار مختلف المواد الأساسية، ونقصها بالسوق في سنة 2011، لأن ذلك ينذر بانفجار الوضع الاجتماعي وتصعيد وتيرة الاحتجاجات التي حولت الجزائر إلى بؤرة لا تعرف الاستقرار أمام غياب قنوات الحوار والإصغاء لانشغالات المواطنين. في حين تتنبأ أطراف أخرى بعودة الجزائر إلى مرحلة اقتصاد الندرة. زيادة مفاجئة في أسعار المواد الغذائية رغم أنف بن بادة استبعد وزير التجارة مصطفى بن بادة أن يزيد معدل أسعار المواد الاستهلاكية عن نسبة 15٪ مع حلول رأس السنة، لأن وزارته تستعد للإعلان عن تحديد هوامش الربح المتعلقة بعدد من المواد الغذائية، بالإضافة إلى وضع ترسانة من القوانين لإجهاض عمليات المضاربة والحد من عامل الندرة في الأسواق. إلا أن أسعار السكر والزيت والحليب تكذّب تصريحات الوزير الذي لم يكن يتوقع أن يهزم من طرف المضاربين والمستوردين بعد سيطرتهم على السوق المحلية والتحكم في أسعار المواد بحكم عدم وجود مصالح للمراقبة وقمع الغش، إلا أن اللوبيات الداخلية فرضت قوتها على الحكومة من خلال التحايل على المستهلك الذي خدع هو الآخر “بصولد” المواد الغذائية وما هي إلا خدعة بارونات “السوبر ماركت” لترويج منتوجاتهم. وتطرح مثل هذه الأزمة عن الدور الذي يفترض أن تقوم به وزارة التجارية لحماية المواطن من “ثورة الجياع” خاصة بعد أن طالت الأسعار بعض المواد التي تقول الحكومة إنها تدعمها مثل العجائن والسميد. وفي سياق آخر تحصي الوزارة نحو 732 سوق موازية و100 ألف تاجر دون سجلات تجارية يمارسون نشاطهم أمام المرأى لأن الحكومة قد تعاملت معهم بالجانب الاجتماعي الأمر الذي شجع على التجارة الفوضوية. الحليب ينافس اللحوم الحمراء ومعدل استهلاكه فاق 120 مليون لتر سنويا تحوّلت أزمة الحليب بداية من رمضان الفارط إلى قضية وطنية، إذ أثار ارتفاع سعره وندرته في السوق “فوضى غذائية” دفعت بالدولة لاتخاذ قرارات عاجلة، لوضع حد لندرة الحليب في المحلات التجارية، ليزداد ثقل كاهل المواطن البسيط ويدفعه هذا المشكل إلى الوقوف في طوابير الصباح الباكر أمام محلات المواد الغذائية لاقتناء المادة، وحتى المؤسسات الوطنية المتخصصة في صناعته شهدت إقبالا لا منقطع النظير للزبائن قبل بداية الدوام بها للظفر بكيس الحليب. وظهرت المضاربة في الأسواق، حيث يصل اللتر الواحد منه ما بين 45 إلى 50 دج، ما دفع الحكومة إلى التدخل لتؤكد على لسان وزير الفلاحة بن عيسى أن ثمن الحليب في السوق لن يعرف ارتفاعا ويعلن عن قرارها دعم سعره. لكن أزمة الندرة لم تحل رغم أنه تم استيراد خلال سنة 2010، 230 ألف طن من غبرة الحليب موازاة مع إنتاج معدل حليب الأبقار على المستوى المحلي والذي قفز إلى 450 مليون لتر أي بزيادة طفيفة تفوق 120 مليون لتر مقارنة بالعام الماضي. لكن هذه الأرقام لم تشفع في تعزيز شعبة الحليب بالجزائر. وحسب الناطق الرسمي لاتحاد التجار بلنوار، فإن السوق تعرف عجزا يقدر ب 30٪ علما أن استهلاك هذه المادة يفوق 12 مليار لتر في السنة وهو رقم ثقيل مقارنة بمستوى الطلب عليه أمام زيادة مشكل الندرة وتذبذب توزيعه على نقاط البيع. وأمام هذه الأزمة، يرى المواطن أن “صاحب الذراع الطويل” الذي يعيش في دولة البترول رغم أن حليب الأكياس حسب التحاليل المخبرية غير مغذي لأنه يتوفر إلا على نسبة 15٪من الحليب الطازج. وفي سياق متصل، فإن سوق الحليب أصبح ينافس اللحوم التي كانت في وقت مضى غذاء الأغنياء، والتي يقدر سعرها نحو 850 دج. إقبال واسع على المواد المسرطنة والمعلبات تصيب 30 ألف مستهلك بالسرطان سنويا في جولة قادتنا إلى الأسواق الموازية بمدينة عنابة لاحظنا توافدا كبيرا للمواطنين من الجهات الأربعة على بعض المواد الغذائية مثل الأجبان والطماطم والتونة المعروضة على أرصفة الشوارع المتراصة، حيث كان كل شيء يوحي بلهفة العائلات لمثل هذه المواد، لأنها ترغب في أن تشاهد أبناءها كباقي الأطفال يأكلون “الفورماج” والكاشير والتونة. لكننا لم نصدق جشع التجار وغش بعض المضاربين الذين استغلوا بؤس هؤلاء الزاولية، حتى أصحاب المحلات التجارية ممن يملكون السجلات التجارية لهم يد في إغراق السوق بمثل هذه المواد المسرطنة والفاسدة وأخرى بقي على انتهاء صلاحيتها ساعات عشية رأس السنة تباع بأثمان بخسة، فزائر بونة هذه الأيام سيشاهد أن المنطقة تحولت إلى مزبلة حقيقية لتسويق المواد الفاسدة التي تحمل الماركات العالمية، حيث يقدر سعر علبة الطماطم نحو 75 دينار، أما سعر المنظف السائل لغسيل الأواني ب 85 دينار. وفيما يخص سعر المشروبات الغازية والسوائل فسعر عصير البرتقال من ماركة رامي يقدر 94 دينار فيما بلغ سعر علبة “الفورماج” العادي المتكونة من 16 قطعة ب 70 دينار للعلبة الواحدة .. أسعار رخيصة لكنها تستهدف بطون الفقراء الذين فضلوا اقتناء مثل هذه المواد بدل التنقل إلى محلات التجزئة والسبب ببساطة أسعارها مرتفعة، لأن الكيلوغرام من السكر بلغ 110 دينار، فيما عرفت أنواع من الأجبان 11 دينار لكل علبة على أقصى تقدير في سوق الجملة. هذه الزيادات المفاجئة في الأسعار أجبرت المواطن على استهلاك المواد المسرطنة التي تسوق أمام الجهات المحلية بدل حرقها أو رميها في المزابل. وفي هذا الإطار، أكد أحد المختصين بأن السوق الجزائرية تحصي نحو 200 نوع من السرطان بسبب المواد المغشوشة والمصبرات التي تهلك ما يعادل 30 ألف مستهلك بالسرطان سنويا، لأن ما يقارب 10٪ من المواد الفاسدة تفلت من الرقابة المخبرية. بلنوار: المافيا تتحكم في الوفرة و%60 من المنتوجات توجه إلى السوق الموازية قال الناطق الرسمي للاتحاد العام للتجار، الحاج بلنوار، إن ندرة بعض المواد الأساسية بالسوق ساهمت في التهاب أسعار المواد الغذائية التي حطمت مستويات قياسية خلال الآونة الأخيرة، وهي مرشحة للزيادة نحو 15٪ مع العام الجديد، حيث إن تذبذب الإنتاج سجل عجزا يفوق بنسبة 30٪ في سوق الخضر والفواكه و40٪ في سوق اللحوم فيما فاق عجز سوق الحليب ب 60٪. وحسب بلنوار، فإن هذه الأرقام تؤكد استحواذ شرذمة من المضاربين على السوق الوطنية خاصة أن 60٪ من المنتوجات توجه إلى الأسواق الموازية، الأمر الذي ساعد على تسجيل خلل في عمليات التوزيع لهذه المواد. وعلى صعيد آخر، يرى ممثل اتحاد التجار أن عامل الوفرة يتحكم فيه بعض المنتجين الخواص الذين يسقّفون أسعار المواد حسب وفرتها في السوق المحلية، خاصة منها السكر واللحوم والحبوب، كل هذا نتج عنه عجز الجزائر عن تحقيق الاكتفاء الذاتي. وفي سياق آخر، يرى بلنوار أن غياب الرقابة القوية أمام زيادة الممارسات اللاّأخلاقية للمنتجين الخواص شجع على ظهور التجارة الفوضوية، في ظل انعدام تحفيزات جبائية تفرضها الدولة لتغيير ذهنيات المستوردين. الباحث الاقتصادي مسدور: الجزائر بعيدة عن الأزمة الغذائية نسبيا بفضل البحبوحة المالية يرى فارس مسدور، باحث في الاقتصاد الإسلامي، أن الزيادة في أسعار المواد الاستهلاكية خلال الأيام الأخيرة فتح الباب للمضاربين لاتخاذ قرارات وصفت بالممارسة الاحتكارية، بعد أن تمت ملاحظة ارتفاع في عدد المستوردين الذين تتضمّنهم القائمة الوطنية والذين اتفقوا فيما بينهم بضخ كميات قليلة من المنتوجات الغذائية في السوق المحلية أمام اتساع دائرة الطلب عليها. وقد أثارت مثل هذه التجاوزات الخطيرة حفيظة المستهلك الجزائري. وفي هذا الشأن، يتوقع ذات المتحدث انفجار الوضع الاجتماعي أمام سياسة الضغط التي يمارسها المستوردون على الحكومة لإجبارها على العودة إلى مرحلة الثمانينيات، ومن ثم ّتطبيق اقتصاد الندرة لكن بشكل مغاير في ظل الأزمة المالية الاقتصادية العالمية، حيث تغيرت المعطيات، فاختلطت الأوراق على الحكومة للتحكم في هذه اللوبيات الداخلية وأخرى خارجية والتي تسببت في أزمة غذائية ستزيد من معدل الجياع في بلادنا. ورغم هذه العوامل، فإن الجزائر ستبقى بعيدة نسبيا عن الأزمة الغذائية بفضل البحبوحة والوفرة المالية التي وصلت ذروتها وجعلت احتياطي الصرف يتجاوز 157 مليار دولار. وهو الأمر الذي ترك الدولة تتحرك بهامش حرية أكبر أطلق عليها صفة سيادية. وحسب الباحث مسدور، فإن قيمة احتياط الصرف ستضمن للبلاد الأمن الغذائي على مدى أربع سنوات. أما ندرة بعض المواد الغذائية فخاضعة لفشل القطاع الزراعي الذي لم يحقق أي تحسن منذ سنوات رغم الإمكانيات المعتبرة التي تتوفر عليها الجزائر، بالإضافة إلى برامج الدعم الفلاحي، إلا أن غياب الثقافة الفلاحية انعكس سلبا على النشاط الزراعي الذي يعتمد على الأمطار الطبيعية بل زيادة عدد السدود والآبار خاصة بالمناطق الفلاحية، علما أن الجزائر تخصص سنويا 3.5 مليار دينار لاستيراد المواد الغذائية، يضيف الباحث في الاقتصاد الإسلامي مسدور. الخبير الاقتصادي بوزيدي: %20 احتياجات الدولة للغذاء ومعدل التضخم يفوق %5.5 أكد الخبير الاقتصادي عبد المجيد بوزيدي أن أسعار السكر والزيت والقهوة والحليب ومواد أخرى بأسواق الجملة للمواد الغذائية غير مرتبط لا بالمضاربة ولا بتزايد الطلب الداخلي بقدر ما هو راجع بالدرجة الأولى إلى ارتفاع أسعارها في السوق العالمية، نتيجة تزايد الطلب عليها، حيث يشاطر الأستاذ بوزيدي رأي باقي المختصين أن أسعار المواد الغذائية ستواصل ارتفاعها نحو 15٪ مع حلول السنة الجديدة، لأن -حسب الخبير الاقتصادي- الجزائر ليست دولة فلاحية، ذلك أن بين 6٪ إلى 7٪ من الأراضي الزراعية خصبة، فيما لا تتعدى المساحات المسقية 13٪. هذه الأرقام تؤشر إلى ضعف معدل الإنتاج الزراعي، رغم اتساع دائرة الاستهلاك للمواد الأساسية مثل السميد والعجائن والخضر والفواكه. علما أن احتياجات المستهلك الجزائري تفوق نسبة 20٪، يضيف ذات المتحدث. على صعيد آخر، حذّر بوزيدي من ارتفاع معدل التضخم الذي يفوق في الوقت الراهن 5.5٪ وهو مرشح للزيادة إلى 30٪ خاصة أمام تراجع معدل العرض لمختلف المنتوجات الغذائية. وحسب ذات المصدر، فإن هذه المواد الغذائية لا تعرف استقرارا في الأسعار كونها خاضعة لتطورات سوق البورصة وبعض المتغيرات الخارجي، ما يعني أن السوق الداخلية تتأثر بطريقة مباشرة بالزيادات التي تحدث في السوق العالمية. لكن تبقى هذه المؤشرات تتحكمّ في سياسة الاستهلاك اليومي للفرد البسيط بعد قلة العرض والتهاب الأسعار، ورغم تدني القدرة الشرائية ستتضاعف المصاريف اليومية، حيث يصنف الأستاذ بوزيدي المستهلكين من الصنيف 7، 8، 9 في قائمة الفئة البسيطة التي تنفق شهريا ما يعادل 80٪ من راتبها، فيما لا تتعدى نفقات الصنف (1) وهم إطارات الدولة 7٪ رغم أن راتب عضو في البرلمان يتعدى 47 مليون في الشهر لكل واحد. وعليه، يقول بوزيدي إن الجزائر ستخضع للتبعية الغذائية على مدى 50 سنة.