بعض المتظاهرين المصريين طالبوا الرئيس مبارك بالجلاء عن مصر! وكأنه مقيم عام أو حاكم عام أمريكي أو إسرائيلي أو إنجليزي! وليس رئيسا مصريا! وما أتعس أن يتحول الرئيس في بلد إلى شخص غير مرغوب فيه في بلده! الرئيس المصري فهم هذه الرسالة المهينة من المتظاهرين فقال: إنه لن يغادر مصر حتى ولو غادر الحكم.. وهو موقف يحسب له.. لأن مغادرة رئيس أكبر دولة عربية للعيش خارج بلده بعد رحيله عن الحكم هو في حد ذاته كارثة وطنية أكبر من كارثة التنحية من الحكم بواسطة الشارع! نعم مبارك ارتكب موبقات كثيرة في حق مصر وفي حق العرب.. ومن موبقاته تسهيله لعودة أمريكا بجيوشها إلى الخليج العربي لإعادة احتلاله بعد رحيل الجيوش البريطانية في بداية السبعينيات! وتسهيله إعادة احتلال العراق بحجة كبح غطرسة الراحل صدام حسين! صدام حسين كان أيضا عنيدا مثل مبارك ولم يغادر العراق فكان مصيره الشنق.. والشنق كان أفضل له من عار الرحيل عن بغداد هاربا! لكن شنق مبارك من طرف المصريين (لو حدث) سيكون أهون من رحيله عن الديار هاربا بجلده.. بعد أن كان بطلا للعبور وحاكما مؤلّها في بلده! صدام كان شنقه في بلده مزيلا لكل آثار المظالم التي قام بها ضد شعبه.. بل وتحول شنقه إلى رمز للحرية والأحرار في العالم العربي، لكن شنق مبارك من طرف شعبه سيكون أسوأ من عملية قتل السادات من طرف جيشه في يوم عيده الوطني! مبارك بالفعل قد شنق سياسيا في ميدان التحرير من طرف ملايين المصريين.. وحتى لو واصل مبارك حكم مصر لأشهر قادمة فإنه لن يكون مبارك الذي حكم مصر قبل 26 جانفي 2011.. ورحيله عن الحكم لن يكون سلسا ومكرما كما يريد وتريد أمريكا وإسرائيل! مبارك الذي تشفى في صدام وهو يعدم من طرف الأمريكان ها هو العالم العربي بأكمله يتشفى فيه وهو يعدم سياسيا من طرف الأمريكان أيضا! وفي مقدمة المتشفين هؤلاء الشعب المصري نفسه! لقد كتبت إحدى الصحف الإسرائيلية متهكمة على وضع مبارك.. كتبت تقول: إن مبارك الذي رفض زيارة إسرائيل وهو في الحكم فإسرائيل ترحب به للإقامة في إيلات بالقرب من شرم الشيخ التي يحبها إذا تعذر عليه أن يبقى في مصر بعد الرحيل! لكن شرفاء غزة الذين عانوا من الجدار الحديدي الذي بناه مبارك قالوا أهل غزة أولى باحتضان الهارب من مصر إذا هرب؟!