راودتنا فكرة الغوص في أعماق مداشر المدية لنقل ما لم تشاهده الأعين.. وكانت البداية من قرية الشلالة، التابعة إداريا لبلدية مغراوة على بعد 130 كم أقصى شرق ولاية المدية، حيث تعد من أكبر المداشر، وتبعد عن مقر البلدية بحوالي 13 كم، وهي متاخمة لمنطقة الزبربر بولاية البويرة، والتي كانت في زمن العشرية السوداء منطقة محرمة أزهقت فيها أرواح الكثير من الأبرياء. توجهنا إلى القرية المنسية، كما يحلو لسكانها تسميتها، وما لمسناه عند وصولنا إليها الحالة المزرية التي يعيشها السكان، أن حياتهم تشبه إلى حد كبير الحياة البدائية.. فالبغال والأحمرة هي مركباتهم، والوديان ومياه العناصر هي مشربهم، والمرأة في هذه القرية مازالت تشمر على ساعديها وتزاول النشاط الفلاحي بكل جد، تساعد الرجل بل وتفوقه في العمل، في ظل غياب شبه كلي لعنصر الشباب، فأولويتهم باتت منحصرة في التسكع بالمدن والبحث عن عمل غير شاق، حسب الأصداء التي جمعناها من نساء ورجال القرية، حتى خيل لنا أننا لسنا في سنة 2011.. يقول عمي علي، وهو أحد الغيورين على القرية وظل صامدا في وجه الإرهاب، أن عدد سكان القرية كان يقارب 1500 نسمة في التسعينيات، لكن بعد الأزمة الأمنية بدأ سكان الشلالة هجر أراضيهم الواحد تلو الآخر، باعتبارهم يتواجدون على خط التماس الأول بين الإرهابي والمقاوم، فما كان للسكان من ملجأ آخر سوى النزوح إلى أقرب المناطق أمنا بحثا على السلم والأمان، تاركين وراءهم بيوتا وأراض وعادات ورثوها أبا عن جد، حيث نزح أزيد من ثلثي سكان الشلالة إلى عدة مناطق بمدن البويرة وآخرين بمدن ولاية المدية، ولم يبق بالقرية سوى 500 نسمة. مدرسة تصارع الشيخوخة.. وقاعة علاج مريضة عندما تشاهد المدرسة لأول مرة تشفق على حالها، بسبب الوضعية المتدهورة التي آلت إليها أسقها وجدرانها، حيث لاتزال المدرسة الابتدائية التي يطلق عليها اسم الشهيد “حسان محمد” تصارع من أجل البقاء. وحسب حديث السكان، فقد أنجزت المدرسة في بداية السبعينيات، وتتوفر على 5 قاعات وقاعة مخصصة للإطعام، يدرس بها حوالي 60 تلميذا في وضعية أقل ما يقال عنها غير آمنة بسبب غياب الجدار الخارجي الذي تم تخريبه، كما تتواجد دورة المياه في وضعية كارثية زادت من معاناة المتمدرسين، بالإضافة إلى بعد المسافة بين العديد من البيوت والمدرسة، حيث يقطع التلاميذ مسافة 4 كلم يوميا من أجل مزاولة دراستهم. وحسب بعض الأولياء فإن مدير المدرسة هو الذي يتكفل يوميا بتوصيل الخبز بسيارته الخاصة، كما أن المعلمين يقطنون خارج القرية، ودفعهم حب المهنة وطيبة السكان إلى أن يقوموا يوميا بكراء سيارة “كلوندستان”، من أجل أن يعلموا أبناء القرية، ولم يطالبوا بالتحويل نظرا لقداسة المهنة، حسب حديث بعضهم. وفي هذا الصدد ناشد أولياء تلاميذ هذه المدرسة السلطات المحلية والولائية ضرورة إعادة ترميم هذه المدرسة وتسييجها من أجل أمن أبنائهم. من جانب آخر تتوفر القرية على قاعة للعلاج لا تتوفر على طبيب ولا على الوسائل الطبية ولا على ثلاجة يحفظ فيها الدواء، يسيرها موظف واحد، وهو التساؤل الذي حاول السكان إيجاد إجابة له من قبل المعنيين في مديرية الصحة والسكان، لكن لا حياة لمن تنادي.. على حد قول أحدهم. حالة الطريق المهترئة تجعل الدواب بديلا عن وسائل النقل أهم مشكل يعاني منه سكان الشلالة، حالة الطريق المزرية والمهترئة فهي آيلة للانجراف في أي لحظة، ونظرا للأهمية البالغة لهذا الطريق باعتباره همزة وصل بينهم وبين بلديتهم مغراوة، فإن إعادة تعبيده أصبح أكثر من ملّح، خاصة ونحن في فصل الشتاء أين يزيد تهاطل الأمطار والثلوج في تعقيد الوضع، إذ تصبح هذه القرية النائية أكثر عزلة. وفي سياق متصل تغيب عن القرية وسائل النقل والمواصلات بشكل لافت، بسبب وعورة التضاريس وحالة الطريق المهترئة وقلة عدد السكان، ما يجعل أصحاب وسائل النقل يفضلون خطوطا تدر عليهم أموالا أكثر، وهو ما جعل السكان يستعملون دوابهم في التنقلات في ظل غياب وسائل نقل حديثة. الغاز والدعم الفلاحي.. حبر على ورق على الرغم من الموقع الجبلي الذي يتميز بالبرودة الشديدة، إلا أن سكان القرية على غرار بقية قرى وبلديات الناحية الشرقية لولاية المدية، محرومة من الغاز الطبيعي الذي يبقى مجرد حلم يراود السكان، فسكان الشلالة مازال الحطب هو الوسيلة الأكثر شيوعا في التدفئة والطهي عندهم، وعائلات قليلة محظوظة تستعمل غاز البوتان، بسبب ندرته وصعوبة التزود به من مناطق أخرى. وفي الصدد ذاته، أكد السكان أن مطلب التزود بالمياه وتعبيد الطريق ووضع مجاري الصرف الصحي، أهم من حلم التزود بغاز المدينة الذي يبقى بعيد المنال، حسب محدثينا، مشيرين إلى أن مطالبهم تعد حقا من حقوق الحياة الكريمة.. كثيرا ما كانت محل وعود المترشحين في الحملات الانتخابية، والتي سرعان ما يتم تجاهلها بمجرد انتهاء الانتخابات. من جانب آخر يستفسر السكان عن سبب إقصائهم من مشاريع الدعم الريفي والفلاحي، بسبب الانتشار الكبير للأمية في أوساطهم، رغم أن الشروط المطلوبة في الدعم تتوفر في السكان، فهم يمتهنون الفلاحة التي تعتبر أهم نشاط بالمنطقة وأراضيهم صالحة للزراعة، كما أن جل بنايتهم هشة وتتطلب الترميم. ورغم كل تلك المشاق والصعاب التي يواجهها السكان الذين يشكون تقصير المسؤولين في التكفل بمطالبهم، غير أنهم أصروا على التشبث بمنطقتهم.