أدبه ربه فأحسن تأديبه، نشأ على الفطرة السليمة وحسن الطوية، وقد كان خُلقه القرآن، لذلك كان النبي صلي الله عليه وسلم أكثر وضوحا في سلوكه وتعامله مع الأصدقاء والأعداء على السواء .. فقد كان صلي الله عليه وسلم شديد الوفاء والإخلاص. وقد عظم وفاؤه صلي الله عليه وسلم واتسع ليشمل كل ألوان الوفاء: قدر نعم الله حق قدرها فأجهد نفسه في القيام بشكرها، ووفى بكل عهد عاهد عليه، ولم تدفعه المصلحة لأن ينكث العهد مهما كانت البواعث اليه، وقد عرف النبي اليتيم ما يجب للوالدين من بر وتكريم ووفاء وإيثار، مهتديا بما أمر به القرآن:“وبالوالدين إحسانا”، وبما توحي به المشاعر النقية والحس المرهف والخلق الكريم والاعتراف بالجميل.. وعاش صلي الله عليه وسلم وفيا لذكرى زوجته الطاهرة النقية السيدة خديجة رضي الله عنها ، وكان يعد فلا يخلف موعده ويحفظ لصاحب الجميل جميله ويكافئه عليه بمثله.. تقول أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما:”قدمت علي أمي، وهي مشركة ، حينما عاهد رسول الله قريشا عهد الحديبية، وكان أبو بكر قد طلقها في الجاهلية، فبعثت إلي رسول الله صلى الله وسلم أستفتيه، فقلت : إن أمي قدمت علي وهي راغبة، أفأدخلها بيتي؟ فأرسل النبي إلي يقول: “نعم، أدخلي أمك وعيليها”. وبعد وفاة السيدة خديجة رضي الله عنها كان كثيرا ما يثني عليها في حضور السيدة عائشة رضي الله عنها التي كانت تشعر بشيء من الغيرة حين تسمع هذا الثناء، حتي قالت له مرة:” هل كانت إلا عجوزا بدلك الله خيرا منها؟” فغضب النبي صلي الله عليه وسلم وقال:” لا والله، ما بدلني الله خيرا منها، آمنت بي إذ كفر الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله منها الولد دون غيرها من النساء”. فإذا جاءته هدية قال: اذهبوا بها إلى بيت فلانة، فإنها كانت صديقة لخديجة. وفي رواية: إنها كانت تحب خديجة وكان يذبح الشاة فيهديها إلي صديقات خديجة وقد دخلت عليه امرأة فهش لها وأحسن السؤال عنها فلما خرجت قال: “إنها كانت تأتينا أيام خديجة، وإن كرم العهد من الدين”. ووفاء النبي لوطنه مكة كان راسخا في عقله وأعماق وجدانه، وحين اضطر إلي الهجرة من مكة إلي المدينة، نظر إليها وهو يغادرها، فما كادت تغيب عن بصره حتى قال: “والله إنك لأحب البلاد إلي نفسي، ولولا أن أهلك أخرجوني ما خرجت”.كما كان عليه الصلاة والسلام وفيا للحيوان، فقد جاءته امرأة أبي ذر علي ناقة من إبل رسول الله صلي الله عليه وسلم بعد إحدي المعارك الحربية، فقالت: يارسول الله، إني قد نذرت لله أن أنحرها إن نجاني الله عليها، فآكل من كبدها وسنامها. فتبسم رسول الله صلي الله عليه وسلم وقال: “بئس ما جزيتها، لا نذر في معصية الله، ولا فيما لا تملكين، إنما هي ناقة من إبلي، فارجعي إلى أهلك على بركة الله”. ومن حثه علي الوفاء قوله عليه الصلاة والسلام:”وعد المؤمن دَين، ويل لمن وعد ثم أخلف”، وقوله صلى الله عليه وسلم: ”من أحب أن يصل أباه في قبره، فليصل إخوان أبيه من بعده”.