شبهت ذات مرة الوضع في الجزائر الآن بذلك الذي كانت تعيشه البلاد سنة 1953.. أقلية من المعمرين استأثرت بكل شيء وهمشت الشعب كله! وهذه الأقلية المعمرة مصالحها الحيوية مربوطة ببلدها الأصلي ما وراء البحر..! وفرنسا الاستعمارية ترقص فرحا لأن الحركة الوطنية ضعيفة ومشتتة وانتهت بحالها النضالي إلى طريق مسدود.. ولا بديل في الأفق الوطني للنظام الكولونيالي الغاشم.. والبرلمان شكلي وفئوي استحوذ عليه المعمرون وأتباعهم من الباشاغوات ويسمونه برلمان "بني وي وي"! والوضع في الجزائر اليوم يكاد يشبه ذلك الوضع سنة 1953 بالفاصلة والنقطة.. أقلية استحوذت على مقدرات البلاد.. مصالحها الحيوية مربوطة بالخارج أكثر من ارتباطها بالداخل.. ولا ترى في تواجدها في الداخل إلا فرصة لتحويل المال العام إلى الخارج! وبرلمان تجاوز حدود برلمان "بني وي وي" بكثير.. والمعارضة السياسية شبه منعدمة من الضعف.. والنظام يرقص فرحا بعدم وجود أي معارضة يمكن أن تقدم البديل الجدي وتنظم الشعب وتقلقه به! وأقلية من الشباب الواعي يكاد يموت من الحسرة على ما آلت إليه الأوضاع في البلاد ولا بديل في الأفق..! وازدادت هذه الحسرة عندما شاهدنا جيراننا التوانسة وقد وضعوا حجر الأساس لبناء تونس الحديثة من خلال ذهابهم مباشرة إلى علاج مشكل شرعية مؤسسات الحكم من الأساس، بالإعلان عن تنظيم انتخابات تأسيسية تاريخية، تماما مثلما سبقنا التوانسة سنة 1953 ودخلوا في ثورة ضد الاستعمار الفرنسي انتهت باستقلال تونس بعد 3 سنوات.. في وقت كانت الحركة الوطنية الجزائرية تتصارع حول من له الحق في تمثيل الشعب الجزائري في الذهاب به إلى الاندماج في فرنسا! لقد سبقنا التوانسة في تحرير بلدهم بالأمس وها هم اليوم يسبقوننا في وضع أسس الدولة التونسية الحديثة! نعم لقد دفعنا ثمنا غاليا لتحرير بلدنا في حين دفع أشقاؤنا في تونس ثمنا زهيدا وها هم اليوم يدخلون المرحلة التي دفعنا نحن من أجل دخولها 200 ألف قتيل ولم ندخلها بعد!؟ ودخلوها هم بثمن لا يذكر قياسا بما دفعناه نحن حتى الآن؟! إن الذين يقولون بأن المشكل في الجزائر ليس مشكلا سياسيا بل هو مشكل زيت وسكر.. لا يختلفون في فهمهم عما كان يقوله ديغول ورجاله في الخمسينيات من أن قضية الحرية والوطنية في الجزائر هي قضية خبز.. ولهذا يمكن حلها بمخطط قسنطينة تماما مثلما يقال الآن أن مخطط التنمية المقترح يمكن أن يسكت الناس عن مطالبهم في الحق في حرية تعيين الحكام وعزلهم كبقية شعوب الأرض الحرة!