يقول المثل الشعبي: “لا دخان بدون نار” والدخان المنبعث هذه الأيام من مبنى كرادلة السياسة في الجزائر.. أو على الأصح من مبنى الواجهة السياسية للحكم تدل على أن هناك شيئا ما يطبخ على عجل وليس على نار هادئة كما هو مأمول. والسؤال الذي يجتمع حوله الكرادلة للإجابة عنه هو: ماذا نغير؟ نغير الدستور, أم نغير المؤسسات الشكلية التي بنيناها بطرق غير شرعية وبالتالي نتغير نحن معها؟! أم نغير الحكومة والوزراء؟ أم نغير المديرين فقط؟! أم نغير الحكم بالمعارضة كما يطالب البعض؟! أم نغير كل شيء في البلاد.. المعارضة والحكم معا.. كما يطالب بذلك الشعب ؟.. أهم ما يمكن أن نستخلصه من هذه التساؤلات هو إحساس السلطة بضرورة التغيير وهو إحساس يدل على بداية الفهم الذي كان غائبا أو مغيبا! وبداهة نقول: إن التغيير الذي يطالب به الشعب ليس تغيير حكومة بحكومة أو تغيير وزراء بوزراء.. ولا هو تغيير دستور بدستور.. بل التغيير الأساسي الذي يطالب به الشعب هو تغيير طرائق ممارسة الحكم, وبالأخص طرائق إسناد المسؤوليات في الدولة للمسؤولين وطرائق ممارستها وطرائق سحبها من المسؤولين! حل البرلمان مسألة مهمة في البلدان المحترمة, لكن عندنا حل البرلمان مثل بقائه.. إذا كانت عملية إعادة انتخابه ستكون بنفس الطريقة التي تمت بها.. استعمال التزوير متعدد الأشكال في انتخاب النواب.. واستخدام المال الحرام في تزوير إرادة الشعب! تغيير الدستور مسألة قد تكون مهمة, لكن المهم في تغيير الدستور ليس تحديد عهدة الرئيس بواحدة أو اثنتين, بل المهم هو التغيير الذي يعطي الشعب الحق المطلق في تعيين الرئيس سواء لعهدة واحدة أو لعهدتين أو أكثر.. لا يهم.. وتحديد العهدات لا يحل مشكل الشرعية في البلاد ومشكل حق الشعب في أن ينتخب من يحكمه.. هذا هو المشكل الرئيسي في البلاد, وليس مدد العهدة ومن يحكم؟! تغيير الحكومة أيضا مسألة مهمة.. لكن الأهم هو أن يعطى الشعب الحق في أن ينتخب هذه الحكومة بحرية ويعطى الحق في أن ينهي مهامها في الوقت الذي يريد وبالطرق القانونية والدستورية وليس “بالكومبلوات” والضرب تحت الحزام من طرف الذين بيدهم التعيين وإنهاء مهام الحكومة والوزراء! هل يمكن أن يقتنع الشعب هذه المرة بأن النظام القائم منذ 1962 يمكن أن يقدم له إصلاحات دستورية جدية تمكنه من ممارسة سيادته على مؤسسات الدولة؟ لسنا ندري؟ لكن الأكيد أن مسألة القطيعة بين النظام والشعب أصبحت لا تحتمل من طرف الشعب ومن طرف السلطة أيضا.. ولابد من البحث عن حل. لقد تابع الجزائريون بإعجاب كبير كيف قدم النظام الجديد في مصر عملية الاستفتاء على تعديل مواد في الدستور المصري, وكيف تعامل الشعب مع هذه العملية, فالمصريون يقولون: إنهم يحسون بأنهم ينتخبون لأول مرة في تاريخهم بكل حرية.. ويحسون بأن صوتهم له معنى في تقرير مصير ومستقبل البلد وقيادته. هذا الإحساس الضروري والجميل هو الذي يصنع الأسس لصورة الثقة بين الحاكم والمحكوم وهي الثقة التي تبدأ أساسا من فكرة تبعية الحاكم للمحكوم, وليس العكس, كما هو حاصل الآن في العديد من البلدان ومنها الجزائر؟! وفي تونس الشقيقة, يتابع الجزائريون الخطوات الموفقة في إعادة بناء مؤسسات الحكم في تونس الحديثة.. على أسس فيها السيادة المطلقة للشعب على المؤسسات الدستورية. لهذا فإن التغييرات المأمولة في الجزائر لا ينبغي أن تكون تغيير وزير بوزير أو برلمان بآخر أكثر سوءا.. بل التغيير المأمول هو الذي يؤدي إلى الإقرار بأن الشعب هو مصدر السلطة والسيادة ويمنحها لمن يريد بواسطة الانتخاب ولا شيء غير ذلك. نريد في الجزائر إصلاحا ينهي إلى الأبد المنطق القائل: “إن السلطة عندها الثقة في الشعب” كما هو حاصل الآن ويحل محله إن الشعب عنده الثقة في السلطة مثلما ينبغي أن يكون عليه الوضع في الإصلاح المرتقب! صحيح أن الجزائر غير مؤهلة لأن يحدث فيها ما حدث في تونس ومصر.. لأن الزلزال الذي ضرب النظام في هاتين الدولتين كانت الجزائر قد مرت بمثله منذ 20 سنة.. لكن الصحيح أيضا أن الجزائريين لديهم من النضج السياسي ما يجعلهم يطالبون بوضع ليس أقل من مثيله في تونس ومصر.. ولن يقبلوا بترقيعات سلطوية كالتي تجري في المغرب, على أهميتها وتقدمها قياسا بالجزائر! إن المشاورات التي تجري في أروقة الحكم والمسربة إلى الصحافة عمدا لا تدل على أن السلطة جادة في الاتجاه إلى إصلاحات جدية.. تنهي مشكلة شرعية الحكم في البلاد.. بل تدل على أن الأمر يتعلق بترتيب إجراءات تعتقد السلطة أنها يمكن أن تسمح بعبور العاصفة! ومثل هذا المنطق هو الذي قد يفوت على البلاد فرصة إحداث نقلة نوعية ضرورية وحيوية هي في أمس الحاجة إليها الآن وغدا ولا مجال للتأخير أو التسويف بشأنها وأن ذلك قد يجعل البلاد تدفع الثمن الغالي جدا فيما بعد. لقد سمعت “الزعيم” أبى جرة سلطاني يتأسف على استثنائه من المشاورات الجارية بشأن قرارات الإصلاح السياسي .. وأقول له: هذا هو الحال الذي ارتضيته لنفسك ولحركتك وهو أن تكون في الحكم وليس لك أية مشاركة في القرار.. وتكون في المعارضة وليس لك أية معارضة لأي قرار حاسم.. وإذن لا تأسف على الذي لحق بك.. “فيداك أوكتا وفوك نفخ”! وهل تنتظر ممن يقرر باسمك وأنت تصفق ثم تخرج لتعلن المعارضة لما صفقت له.. هل تنتظر منه أن يحترمك عندما يجد الجد في الأمور الجدية؟! الصورة الكاريكاتورية التي شيدتم بها في التحالف الرئاسي برلمان “بني وي وي” وحكومات التوزير والفساد هي التي سهلت بأن يفعل بك وبحركتك ما فعل... وانتظر الأكثر سوءا من الشعب الجزائري إذا أعطيت له حرية قول الحق فيك وفي حركتك هذه المرة! وخلاصة القول: إن التغيير المأمول والذي يطالب به الشعب ليس تغيير ماهو قادم لأن ذلك يعد تكرارا لتجارب فاشلة قد تكون أكثر خطورة على سلامة واستقرار البلد هذه المرة...