لم تمر محاكمة الرئيس المدير العام السابق لسوناطراك محمد مزيان ومساعديه، بتهم تتعلق بإبرام صفقات مشبوهة، وإدانتهم قبل أيام، بمحكمة وهران بأحكام بالسجن النافذ، لم تمر دون أن تترك آثارا جد سلبية على الجو العام السائد بأكبر وأهم شركة في البلاد تهميش الإطارات الجزائرية واستدعاء طواقم أجنبية لقيادة السفن والناقلات برواتب 12 ألف أورو شهريا أسطول هواري بومدين يتحوّل إلى خردة أكلها الصدأ منذ انطلاق التحقيقات التي باشرتها مصالح الاستعلامات والأمن، والتي دامت عدة أشهر، لغاية توقيف ومحاكمة محمد مزيان ورفاقه، عاش إطارات سوناطراك بمختلف فروع الشركة خاصة بأرزيو، مقر أكبر فرع وهو شركة “هيبروك شيبينغ”، لنقل المحروقات، على أعصابهم، حيث ساد جو من الخوف والشكوك وانعدام الثقة وسط الإطارات المسيرة وطواقم المهندسين، العاملين على الأرض وعلى متن بواخر وسفن الشحن العملاقة للغاز والبترول. وقد وصف بعض الإطارات الجو السائد بالجحيم، زادته حدة رسالة داخلية وجهها المدير العام الجديد لسوناطراك، نورالدين شرواطي، إلى الإطارات يطالبهم فيها “بالتحفظ وعدم كشف أسرار الشركة”، محذرا الجميع من عقوبات صارمة تصل حد الطرد النهائي من المنصب لكل من يخالف التعليمات الجديدة، خاصة بالتصريحات أو الإدلاء بمعلومات تخص التعاملات التجارية وإبرام الصفقات. ورغم اللهجة الصارمة لرسالة نورالدين شرواطي، والتي وصفها بعض إطارات الشركة بأنها سابقة غريبة في طريقة تعامل المديرية العامة لسوناطراك مع موظفيها، تنم عن حالة من الارتباك والشك وفقدان السيطرة على الأوضاع من طرف أصحاب القرار بوزارة الطاقة، كشف هؤلاء الإطارا ت، وأغلبهم يملك خبرة لا تقل عن 15 سنة بسوناطراك أن “نوايا من قاموا بهذا التحقيق، ونتائجه التي أفضت إلى سجن المدير العام السابق وبعض مساعديه، بتهم اعتبروها بسيطة وغامضة في آن واحد، ليست موجهة “لمكافحة الفساد والرشوة”، مثلما تردد حول هذه القضية في بدايتها، بل تندرج، حسبهم، “ضمن مسعى إزاحة فريق انتهت صلاحيته برحيل وزير الطاقة شكيب خليل، في ظروف غامضة، وتعويضه بفريق جديد يعطي الانطباع بأن الأمور تم تصحيحها وإعادتها إلى نصابها”، وهو الفريق المدعو إلى تدشين مرحلة أخرى في طرق وأساليب العمل، بوجوه جديدة، لكن وفق الميكانيزمات القديمة التي صنفت سوناطراك ضمن أكثر الشركات في العالم غموضا وأقلها شفافية. وأكد هؤلاء الإطارات أنهم ليسوا بصدد الدفاع عن محمد مزيان وطاقمه المسجون معه الآن، والذي اعتبروه “كبش فداء تم التضحية به لطي صفحة تسيير شكيب خليل”، والتي وصفوها بالكارثية والمدمرة لسوناطراك، بل بالتساؤل إلى أين تذهب سوناطراك وماذا تبقى منها بعد عشرية كاملة من تسيير شكيب خليل؟.. حيث اعتبروا رحيله بالسحابة القاتمة التي انزاحت من سماء لا تزال بعد غائمة وضبابية، يسودها جو قاتم من انعدام للعدالة وفقدان للأمل والإحباط لدى جميع إطارات الشركة أو ما تبقى منهم ولم يرحل. أما عن التهم التي وجهت إلى الطاقم القيادي السابق لسوناطراك، المتعلقة بمنح مشاريع بصيغة التراضي لشركة أجنبية وتهم أخرى من هذا القبيل، استغرب الإطارات حملة التضخيم والإشهار الإعلامي الذي أحاط بهذه القضية، مؤكدين على “أنها تهم واهية لا ترقى بتاتا إلى حجم الفساد والجرائم الاقتصادية التي اقترفت خلال فترة إدارة شكيب خليل، والتي كانت تتم في وضح النهار وبعلم من الوزير وتحت إشرافه شخصيا، دون أن تتحرك لا مصالح العدالة ولا الأمن للتحقيق فيها ولو في صفقة واحدة، لغاية رحيل الوزير دون يسأله أحد عن حصيلته وعن ما اقترفت يداه في حق سوناطراك واقتصاد البلاد”. مافيا التسيير ترهب إطارات الشركة من جهتهم أكد عدد آخر من الإطارا ت العاميلن بشركة “هيبروك” لنقل المحروقات بأرزيو وهي الشركة المشرفة على كل عمليات نقل وتسيير شحنات الغاز والبترول المصدرة إلى الخارج، أكدوا في حديث مع “الفجر”، حرصوا فيه على عدم كشف هوياتهم، خوفا من صواعق الانتقام التي ستسلط عليهم أن “مسرحية محاكمة مزيان وطاقمه، مضحكة وتفتقر إلى سيناريو مقنع”، مؤكدين على أن حجم الفساد بشركة هيبروك لوحدها، دون ذكر الفروع الأخرى، لا يمكن تصوره واستيعاب أرقامه الخيالية المقدرة بالملايير ومئات الملايين من الدولارات، التي ذهبت هباء وفي جيوب مدير شركة هيبروك السابق مصطفى زناسني وحاشيته، والآخرين من المقربين من شكيب خليل من الجزائريين والأجانب، من الإسبان والبريطانيين والإيطاليين، بعلم الجميع وفي وضح النهار. وأكد هؤلاء أن كل من تجرأ على “فتح فمه”، للتساؤل أو للتبليغ عن ما كان يحدث تم سحقه إداريا، بحرمانه من منصبه وراتبه، وحتى بتهديده بالاقتصاص منه جسديا، مؤكدين على أن قائمة هؤلاء الإطارات، النزيهة والشريفة، التي دفعت ثمن وقوفها في وجه مصطفى زناسني وحتى محمد مزيان وكذا المدير الحالي لفرع “هيبروك” المدعو محمدي، طويلة جدا، ولا أحد من المحققين، من العدالة والأمن، استمع إليهم أو طلب الاطلاع على الكم الهائل من الوثائق والأدلة، التي يملكونها لحد اليوم والتي تكشف حجم الخراب والدمار والحڤرة والتعسف، لدرجة الجنون الذي بلغه مسؤولو هيبروك وسوناطراك، خلال الفترة الممتدة من سنة 2000 وإلى غاية 2010. التسبب في هجرة الإطارات الجزائرية وذكر هؤلاء الوضعية المزرية والصعبة التي يعمل فيها إطارات سوناطراك، من خيرة أبناء المؤسسة، الذين يتلقون أجور”الذل والميزيرية”، مثلما وصفوها لاتتجاوز الألف أورو، رغم كفاءتهم العالية، المعترف بها دوليا، والتزامهم، في الوقت الذي يقوم فيه مسؤولو سوناطراك بجلب طواقم وعمال أجانب، من الفلبين وحتى من إفريقيا، أقل خبرة وكفاءة، يعملون على السفن الجزائرية، برواتب لا تقل عن 12 ألف أورو، يحظون بنعيم لا يحلمون به حتى في أمريكا وبريطانيا، الأمر الذي دفع بأكثر 200 إطار، من مهندسين وتقنيين في الحفر والتنقيب، ربان وقادة سفن وضباط ميكانيكيين وغيرهم، من خيرة أبناء سوناطراك إلى الهجرة إلى دول الخليج للعمل في ظروف أكثر مهنية وأكثر إنسانية. ووصف عمال وإطارات سوناطراك، رغم الخوف السائد حاليا من التعرض للانتقام، الجو السائد بكل فروع سوناطراك، سواء بالجنوب بحقول الحفر والتنقيب وقواعد الحياة، بحاسي مسعود، حاسي بركين، وبأرزيو والقاعدة البتروكيماوية بسكيكدة، وحتى العاملون على البواخر والسفن، وصفوا كلهم مناخ العمل بسوناطراك “بالمتعفن” والمستعصي علاجه في ظل وجود “مافيا حقيقية “ تسيطر على دواليب القرار، متماسكة ومتضامنة فيما بينها، تحظى بدعم صلب من دوائر قوية النفوذ، حولت بأساليبها وممارساتها القمعية والتعسفية حياة العمال والإطارات الجزائرية إلى جحيم، وهو مايفسر حجم النزيف الهائل للتقنيين والمهندسين الجزائريين الذين رحلوا عن سوناطراك، وتركوا فراغات لا تعوض، في مناصب جد حساسة، بالعديد من فروع الشركة، التي عرفت وتعرف حاليا أصعب مرحلة لها من حيث التحكم التقني في مسار الإنتاج والضخ والتنقيب، وحتى أسطول النقل بالسفن والبواخر، من ناقلات الغاز والنفط، التي اشتراها الراحل هواري بومدين لكنها أهملت لسنوات وتعرضت للصدأ، في الوقت الذي ادعى فيه مسؤولو سوناطراك أنهم صرفوا عدة ملايين من الدولارات في عمليات صيانة “وهمية” لهذه السفن، ذهبت كلها في أرصدة شركات إسبانية وإيطالية، وبعلم من الوزارة الوصية، دون أن يفتح أي تحقيق حول هذه الجرائم الاقتصادية، التي تعرض الإطارات الذين نددوا بها للظلم والإقصاء وحتى التهديد بالقتل. ... يتبع في الأعداد القادمة... حسين مالطي، نائب سابق لرئيس مجمع سوناطراك “المحققون في ملف سوناطراك أغفلوا صفقات ضخمة مشبوهة لشركتي لافلان الكندية وأوراسكوم لارتباطاتهما بدوائر نافذة في السلطة”. إطارات بسوناطراك يكشفون: “شكيب خليل باع خمس سفن لنقل البنزين، في صفقة غامضة وأعطى شركة بريطانية امتياز نقل المازوت والبنزين على طول الساحل الجزائري، بدل سوناطراك”. مراسلة خاصة من أرزيو/ نورالدين بوكراع