تحول النقاش الذي خصص لمساهمة ودور جمعيات المجتمع المدني في بناء الصرح الديمقراطي في ظل الإصلاحات التي تريد السلطة إجراءها إلى الحديث عن قلة الأموال التي ترصدها الدولة لهذه الجمعيات، فيما نفت أخرى تلقيها لأية إعانات، دون الحديث عن حصيلة نشاطاتها أو تقديم اقتراحات موضوعية أول من افتتح جلسة النقاش، التي نظمتها جريدة “المجاهد”، أمس، سعيدة بن حبيلس، رئيسة ما يعرف بجمعية ترقية المرأة الريفية، التي انتهزت الفرصة لتصفية حسابها مع رئيسة جمعية ضحايا الإرهاب، رابحة تونسي، بعد أن وصل الخلاف بينهما حد التعارك بالأيدي أمام مرأى الصحافة الوطنية، لأن بن حبيلس أرادت سحب الجمعية من تحت أقدام رابحة تونسي، بسبب حديثها باسم ضحايا الإرهاب في العديد من المناسبات دون امتلاكها للصفة، وقالت في هذا الشأن إن المشكل الأساسي للمجتمع المدني في الجزائر هو سيطرة الأحزاب عليه، مشيرة إلى أن الأحزاب متسلطة وتمارس الوصاية على الجمعيات مقابل دعمها وحمايتها واستعمالها أيضا، علما أن جميع التشكيلات السياسية بكل أطيافها وتياراتها من وطنية إلى معارضة إلى إسلامية لديها جمعياتها التي تعد بمرتبة الحلفاء الذين تجنده وقت المواعيد الانتخابية. وحتى تعبر، سعيدة بن حبيلس، عن ضرورة رفع الاعتمادات المالية للجمعيات، فضلت التعبير عن ذلك بطريقة غير مباشرة، عندما أكدت أنه “لدينا الكثير من الزملاء يتلقون تمويلات من الخارج، وهذا الأمر ممنوع في القانون، لكنه يحدث، وهذا يدل على أن هناك مشاكل في التمويل بالداخل”. وأكدت بن حبيلس أن المشاورات السياسية لابد أن تأخذ بعين الاعتبار هذين المشكلين الأساسيين، أي الفصل التام بين الأحزاب والجمعيات والتمويل، بالإضافة إلى تحديد معايير دقيقة لمن يريد أن يكوّن جمعية وينشط باسم المواطنين حتى يوضع حدا لحالة الفوضى الموجودة الآن. هذا، فيما لخص رئيس جمعيات رعاية وحماية الشباب، عبد الكريم عبيدات، مشكل جمعيته في التمويل وجهر قائلا “فرنسا تدفع لجمعياتها الأموال وتعتني بها، نحن نشتغل بالمجان، وأحيانا ندفع من جيوبنا”، وكرر خلال الكلمة التي ألقاها بفوروم جريدة المجاهد عبارة عامية “ماناش خالصين” حتى يرسخ الرسالة التي يريد تمريرها من خلال الندوة المخصصة لمناقشة دور المجتمع المدني في بناء الديمقراطية. وقال عبيدات إنه لا يوجد أي مانع حتى يترشح رئيس جمعية لمنصب “مير” أو نائب بالبرلمان أو عضو بمجلس الأمة، وهو ما يجعل - حسبه - الولاء الذي تظهره بعض الجمعيات للأحزاب غير مبرر وغير منطقي، مادام أن القانون يسمح بممارسة النشاط السياسي لأطراف المجتمع المدني. وقدم رئيس جمعية 8 ماي 45، خير الدين بوخريصة، نظرة متشائمة عن لجنة المشاورات السياسية التي تجرى بقصر الرئاسة، مستدلا بأن الإصلاحات في الجزائر دشنت منذ سنة 1999، خلال العهدات الثلاث للرئيس “في قطاع التربية، العدالة، الصحة والجامعات”، لكن دون أن يحدث أي تقدم، بل تعمقت، حسب المتحدث، الأزمات والمشاكل بالقطاعات التي مستها الإصلاحات. وعلى العكس من ذلك، حاول بعض ممثلي جمعيات مكافحة داء السرطان والمعاقين تقديم اقتراحات موضوعية وتشخيص المشاكل الحقيقية التي يواجهونها في الميدان دون أية مزايدات، خاصة وأنهم ينتمون إلى الشريحة التي يمثلونها.