تؤكد أستاذة الأدب العربي في جامعة تونس، الدكتورة نجوى الرياحي القسنطيني، أن نظام بن علي لم يكن شرا كله وأن أشياء جيدة في الثقافة والتعليم حصلت في فترة حكمه، وأن القطيعة مع كل ما سبق هو ما يجب أن تتفاداه الثقافة التونسية. وتعود الدكتورة نجوى القسنطيني لتؤكد على ضرورة أن يتعايش السياسي والثقافي دون أن يكرس أحدهما الآخر يقولون إن حسنة من حسنات نظام بن علي أنه صنع شبابا استطاع أن يصنع ثورة فيما بعد؟ أعتقد أن هذا تطرف، ولا أرى أن الذين يعتقدون هذا الاعتقاد لهم فكرة فيها بعض الإلمام بالوضع التونسي، حينما نقول إن الحبيب بورڤيبة بالفعل أسهم من حيث لم يكن يدري، ولم نكن نحن ندري، في صنع شباب على مستوى من الوعي، شباب يصنع بعد ربع قرن الثورة.. نعم هذا صحيح، لكن بن علي لا أعتقد أنه فعل ذلك، بالعكس بن علي صنع شبابا أقرب إلى المهمشين، ربما أقول إن بن علي قد كرس ثقافة، وأنا لا أتحدث عن الثقافة المتعلقة بالنخبة وبالوعي، لكن الثقافة اليومية العادية المتداولة، هذه الثقافة أصبحت في عهد بن علي ثقافة ذات وجه تمجيدي واحتفالي تكرس فكرة الإجماع الكلي والرضا والقناعة والربح السريع لدى التونسي العادي. إن هذه الثقافة لم تنتج إلا التوقف عن الحلم وعن صناعة بدائل أخرى للحياة وفيها. بن علي قتل في الإنسان ما يسمه كإنسان متحضر، كإنسان مثقف. لست حاملة لأي رسالة أوموقف من الجهات الرسمية، أنا أتكلم بصفتي أستاذة جامعية أسهمت في تربية أجيال من الطلبة. حاولنا، نحن المعلمين والمربيين في كامل الأطوار الابتدائي والثانوي والعالي، وكل الذين باشروا أو عالجوا في فترة من فترات حياتهم هؤلاء الشباب، هؤلاء هم الذين علّموا هذا الشاب أن يقول لا وأن يحلم وأن يفرق بين هذا الوضع الذي يسلط عليه وبين الوضع الذي هو من حقه ولا يمنحه. كمختصة في سرديات الأدب العربي الحديث والمعاصر، كيف تقرئين المنجز الروائي التونسي قبل ثورة 14 جانفي؟ لا بد أن نقول شيئا هو أن الثقافة التونسية في جوهرها حداثية تؤمن بهويتها الإسلامية والوطنية وتنفتح على مقتضيات العصر، والشيء الثاني هو أن المثقف التونسي واكب إلى حد كبير المنجزات المغاربية والمشرقية وأسهم عن وعي في صنع خصوصية تونسية. ففي المنجز السردي، مثلا، نجح إلى حد كبير الروائيون وكتاب القصة في تونس في المزج بين ما يسم هذا النص من خصوصية تونسية تعكس البيئة التونسية، ووضع هذا النص في الإطار العربي العام، هذا حصل وزين العابدين في الحكم ولم يحصل بعد الثورة، فهناك في تونس ما يسمى بأدباء التسعينيات، هؤلاء هم روائيون تونسيون حققوا خصوصية نوعية في مقاربة الواقع روائيا، وهذا له قيمة كبيرة على مستوى التعبير أوتصوير الواقع. إن الثقافة أيضا أو الفن بصفة عامة لا ينتظر حتى تهيئ له الطرق وتقام له المسالك المعبَّدة، إن المثقف الحقيقي يستطيع، وهذا ما أثبته التاريخ الثقافي لتونس، أن يكتب وينتج ويؤثر في الذائقة العامة حتى في إطار الحصار والمنع، هذا حصل في الأقطار العربية كلها ولو لم يحصل لما كان لنا ثقافة أو إنتاج ثقافي في كل الأقطار العربية. إن كل الحكام لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، لا يمكن أن نجد حاكما فترة حكمه كلها خيرا كلها أو شرا كلها، وحتى فترات الشر انبثقت فيها كتابات وإبداعات. هل يقلق المثقفون والوسط الأكاديمي من تراجع الهم الثقافي لصالح الهم السياسي والأمني في تونس؟ هذا السؤال كان دائما محور اهتمام المثقف والمفكر داخل تونس أو خارجها في الأقطار العربية الأخرى. إنه السؤال الذي يجب أن يطرح اليوم.. وهو كيف يتعايش الهم الثقافي والسياسي دون أن يسخر أحدهما الآخر؟ وهنا أقصد السياسي الذي غالبا ما يسخر الثقافي. لا أدري لما لا نشغل أنفسنا كثيرا بهذا السؤال، ألمجرد حدوث الثورة ؟ إن هذه الثورة في صميمها هي إعادة توزيع للأوراق السياسية، يعني إعادة تفعيل للمحركات السياسية التي نرجو أن تكون في خدمة الشعب أساسا وفي خدمة ثقافته، وليس في خدمة أصحاب السلطة. إن من سيتولون الشأن السياسي هم الذين سيشرفون على المشهد الثقافي، لذا يجب أن لا نكف عن طرح هذا السؤال ويجب أن لا يكف هم عن سماعه. رغم أن المهتمين بالشأن السياسي هم أكثر في هذه المرحلة إلا أن هذا لا يشكل أي مشكلة، لأن هذا هو الذي سيصنع لنا مشهدا ثقافيا جديدا.